عرض يوم أمس الجمعة ضمن عروض المسابقة الرسمية للدورة العشرين للمهرجان الوطني فيلم “أنديكو” لسلمى بركاش. وكان هذا الفيلم آخر عروض المهرجان.
بما أن كل فيلم يعطينا ذاته من داخله كي نقرأه كعالم ذو بنية متكاملة ومنغلقة على نفسها، فذلك ما هو عليه فيلم سلمى بركاش الروائي الطويل الثاني “أنديكو” ، الذي لايجب أن نُسقط عليه انتظاراتنا وقناعاتنا لا الفكرية ولا السينمائية أيضا، بل أن نتعامل معه كبنية فيلمية متجانسة ومنسجمة مع نفسها ومع نوع الخطاب الذي تحمله ومرجعيات النوع السينمائي التي تستند إليها .
تتمحور قصة فيلم “آنديكو” حول الطفلة نورا ذات الثلاثة عشر ربيعا، والتي تعيش حالة خاصة كونها تمتلك “قدرات غير عادية” وتتنبأ بما يحصل للآخرين، خصوصا تلك الأحداث السيئة كالموت وحوادث السير. لكن أمَّها الواقعية جدا والتي لا تؤمن بغير ما تراه وتلمسه، تظن أن ابنتها تَتصنَّع تلك الحالات الغريبة التي تَمرُّ بها، فقط لتمنعها من السفر لوحدها قصد الإلتحاق بالأب المسافر إلى أستراليا وتتركها مع عمتها، هذه الأخيرة التي تتفهم جيدا حالة نورا إلى درجة أنها ترافقها عند “الشوافات” والمتنبيئين والفقهاء الذين يؤكدون حالة الطفلة، وتعيش معها لحظات انطلاق وانسجام تامَّين لا تعيشهما نورا نهائيا مع أمها.
لا يمكن أن نشاهد فيلم “آندينكو” دون أن نتذكر فيلما ك”الحاسة السادسة” للمخرج الأمريكي ذو الأصول الهندية م.نايت شياملان، ففي فيلمنا هذا كما في الفيلم الأمريكي نتابع من وجهة النظر “المخادعة” للطفلة نورا شخصية الطفل “المهدي” المرافق لها، والتي من المفروض ألا نشكَّ نهائيا في كونها شخصية من لحم ودم وذلك طيلة لحظات الفيلم، وألا نكتشف سوى في النهاية أنها شخصية أخيها الميت، وما تكاد نورا تعي أنها هي من قتلته وهي ما زالت صغيرة السن حتى يختفي تماما، لكي تتصالح مع ذاتها ومع أمها والعالم المحيط بها.
وكما الطفل “كول” في “الحاسة السادسة” تعاني نورا في “آنديكو” من نوبات صرع تُسقطها أرضا ومن حالات هلع تدفعها للاختباء عن الأنظار، ومثله تتعرض لتحرش زملائها التلاميذ الذين يعتبرونها كما يعتبره زملاؤه غريبة الأطوار وغير طبيعية تماما. وإذا كانت أم “كول” تحتضن ابنها وتحاول التخفيف عنه رغم خوفها عليه، فإن أم نورا عكس ذلك تماما تَنهَر ابنتها وتقسو عليها باستمرار، لكن في نهاية الفيلم تتصالح معها. وتبدو علاقة الأم والإبنه المتنافرة في “أنديكو” منطقية خصوصا حينما نعلم في نهاية الفيلم سبب جفاء الأم المبالغ فيه.
المَشَاهد التي يظهر فيها الأخ صحبة نورا أغلبها صُوّرَت بنجاح خصوصا تلك التي يكونان فيها معا فقط، وقد أحسنت سلمى بركاش إدارة ممثليها خصوصا الطفلة التي أدَّت دور “نورا”، لكن ما أن تحضر شخصيات أخرى مع الطفلين خصوصا الأم والخالة حتى يرتبك السرد بعض الشيء ويبدو أن شيئا ما ليس على مايرام، خصوصا في المشهد الذي تذهب فيه الأم والطفلة عند المساعدة الاجتماعية، بحيث ما أن تعلن نورا أنها ترى أشباحا حتى تتلفَّت الأم والمختصة الاجتماعية إلى الركن الذي يوجد في “المهدي” أخ نورا وهو الأمر الذي يكاد أن “يحرق” كل الحبكة المبني عليها الفيلم، وهذا لا نجده نهائيا في فيلم “الحاسة السادسة” رغم أن مشاهد مشابهة تماما لهاته المشاهد موجودة به.
على العموم يظل فيلم “آنديكو”، الذي شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان خريبكة للسينما الإفريقية في عرضه العالمي الأول، فيلما مختلفا ضمن الفيلموغرافية المغربية، التي لا نجد بها أفلاما تنتمي لهذا النوع السينمائي، ويُحسب لسلمى بركاش أنها اقتحمت جنسا سينمائيا غير مطروق في السينما المغربية واجتهدت فيه بصدق فني يُميِّزُ سينماها ويَظهر بجلاء في هذا الفيلم كما في فيلمها الأول “الوتر الخامس”.
عبد الكريم واكريم-طنجة