اسْتُهِلَّ اللقاء الذي نظمه مختبر البحث في علوم اللغة والخطاب والدراسات الثقافية التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة يوم الخميس 14فبراير 2019 بكلمة لرئيسة المختبر الدكتورة لطيفة الأزرق التي وضعت الحضور في سياق الاختيار الذي جاء، حسب قولها، ليجيب عن أسئلة طرحها الدرس الافتتاحي للمختبر الذي أطره الخبير اللساني الدكتور عبد القادر الفاسي الفهري، وتناول فيه موضوع “اللغة العربية العصرية في الدولة العصرية”، مضيفة أنه إذا كان النشاط الأول قد تحدث عن وضعية اللغة العربية عموما وقيمتها في العصر الحالي، فإن هذا اللقاء يأتي في نطاق إبراز العلاقة الاتصالية بين اللغة العربية المغربية واللغة العربية المعيار.
ضيف المختبر الدكتورعبد المجيد جحفة، أستاذ اللسانيات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن مسيك، ابتدأ من حيث انتهت الدكتورة الأزرق، فأشار بدوره إلى أن البحث في اللغة العربية المغربية واللغة العربية المعيار هو بحث في الاتصال بين اللغتين وفق رؤية تروم البحث في تطور خصائص اللغة العربية المعيار، معتبرا أن هذا الإطار العام يُخْرج البحث من نطاق الفلكلورية، ويضعه في سياقه الواضح الذي لا يلغي طرفا وينتصر لآخر، ولا يأخذ بمبدإ الاستبدالية، ويُمَكِّنُ الباحثَ من إدراك التطورات الحاصلة في خصائص اللغة العربية المعيار التي تتحقق في العربية المغربية التي أصر ضيف اليوم الدراسي على وجوب تسميتها كذلك لاعتبارات علمية، وتحاشي تسميتها بالدارجة، لأن خصائصها الأساسية عربية، وتجنب حشرها في شرنقة الخليط بين العربية والأمازيغية، أو العربية والفرنسية، مشيرا في هذا السياق إلى غلبة الطرح الإيديولوجي على الأبحاث التي أنجزت حولها، إذ نظر بعضها إلى هذه اللغة باعتبارها نوعا من الأمازيغية، كما هو شأن أبحاث الأستاذ شفيق الذي سعى، حسب قول جحفة، إلى “تمزيغ” العربية المغربية بشكل مبالغ فيه، واعتبرها النوع الآخر نوعا من الفرنسية كما هو شأن معجم عيوش الذي وصفه الباحث بمعجم العاجز عن التعبير بلغته.
وأضاف ذات المتحدث أن الاتصال بين اللغتين يمكن أن نستدل عليه دلاليا، ويمكن أن نستدل عليه بالنظر إلى ظاهرة الإعراب التي لا توجد في العربية المغربية بسبب عامل التطور واختيار مبدإ الجهد الأقل، فليس هناك ما يميز المفرد والمثنى والجمع في استعمال اسم الموصول في العربية المغربية التي تتوفر على اسم موصول واحد هو “الٍّلي”، في وقت نجد فيه الاسم الموصول في العربية المعيار متعددا ومتنوعا (الذي ـ التي ـ الذين ـ اللواتي…)، وهذا التطور لم يؤثر على المعنى في العربية المغربية لأن المعلومات التي يأتي بها اسم الموصول يمكن أن يعوضها السياق، نقول: “الراجل اللي جا” ـ “المرا اللي تلاقيت بها”، ما يعني حصول المعنى مع الظفر بميزة التخفيف التي جعلت الكثير من الكتاب والطلبة يتجاوزون كذلك في كتاباتهم حرف الجر “إلى” بحرف الجر “لِ”، يقولون: ذهبت لمدينة الدار البيضاء، عوض “إلى” كنوع من الاختزال في إطار ما يسمى “تحويل القدرة” التي نُصَدِّرُ من خلالها عاداتنا في لغتنا المغربية إلى اللغة العربية المعيار التي نكتب بها.
وفي سياق المقارنة بين اللغتين أشار عبد المجيد جحفة إلى أن العربية المغربية لها في الغالب معنى واحدا في المستوى المباشر، مع إمكانية اشتقاق معان مجازية من هذا المعنى، في حين تمتاز اللغة العربية المعيار بغنى كبير في مستواها المعجمي، سواء في المستوى المباشر أو في المستوى المجازي، والمعنى الواحد هذا الذي يميز اللغة الأولى مرتبط بوجود متكلم واحد، بالإضافة إلى أنها لغة شفهية مرتبطة بتواصل شفهي وتتجه إلى الأشياء بشكل مباشر، وضرب الباحث مثالا بالفعل “طاب” الذي يتميز باتساع دلالي كبير في اللغة العربية المعيار، إذ يدل على معاني الأفضل، وخيار الشيء، والقيمة الإيجابية فيه، في حين يتميز في العربية المغربية بضيق معناه، إذ يدل على معنى النضج وما يرتبط به، نقول: العشا طاب (نضج)، طيب العشا (طبخه)، الطياب (الطبخ) ـ الرمان طاب، طايب (نضج، ناضج) ـ طيبو/ طاب (قهره، رضخ وانصاع).
وأشار الدكتور جحفة إلى أن العلاقة الاتصالية التطورية بين اللغتين من مظاهرها كذلك التقابل عن طريق التباين الدلالي، مقارنا بهذا الصدد بين العربية المغربية التي تستعمل فيها بعض الألفاظ كأدوات نحوية لإفادة معان نحوية، بخلاف اللغة العربية المعيار التي تفتقد إلى هذه الخاصية، وضرب مثالا لذلك بكلمة “غادي” التي ترد في العربية المغربية بالمعنى التام،وبالمعنى الناقص الذي لا يوجد فيه مستوى معجمي، نقول: “راه غادي مْعَ ولْدُو” (إنه ذاهب رفقة ابنه)/ الغادي ــــ المعنى التام، ونقول: “غادي نْسافْرْ للخارج الشهر الجَّايْ) (سأسافر، المستقبل)/ الغادي ــــ المعنى الناقص (المستقبل).
في العربية المعيار لدينا المعنى التام فقط، وليس المعنى الناقص: غدا عليه (بَكَّرَ)، الغدوة: الوقت المبكر ـ غدا الشخص: ذهب وقت الغداة (ضد راح: ذهب وقت الرواح).
وهكذا فالعربية المغربية جردت “غادي” من معناها الحركي المرتبط بالذهاب وأفرغته من هذا المحتوى، وجعلته دالا على المستقبل فقط، وتتميز هذه الكلمة باشتمالها على مرادفات كثيرة في العربية المغربية مثل “سَيْرْ”: سَيْرْ تِيلْعَبْ ـ سير تِيَاكُلْ.
وختم الدكتور جحفة مداخلته مؤكدا على ما ابتدأ به، متمثلا في التنصيص على العلاقة الاتصالية بين اللغتين العربيتين المغربية والمعيار، داعيا إلى وجوب انكباب الباحثين على دراسة هذه العلاقة وفق هذه الرؤية بعيدا عن أي دوافع أخرى من شأنها الانحراف بالبحث عن مساره.
هذا وقد استؤنف اليوم الدراسي في الحصة المسائية بمداخلات للدكتورين رحمة توفيق وحميد الهواري ومجموعة من طلبة ما ستر البلاغة والخطاب وسلك الدكتوراه، وترك هذا النشاط صدى طيبا جسدته انطباعات الحضور الإيجابية.
نورالدين الطويليع