على هامش الدورة الخامسة والعشرين للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء الذي سينعقد في الفترة ما بين 07 و17 فبراير 2019 اللقاء الثقافي: “تحديات القراءة الأدبية في العالم العربي في زمن العولمة ومنصات التواصل الاجتماعي” .
هل ما زال بيننا من يقرأ؟
هل مازال للكتاب مكان في بيوتنا ومكاتبنا وحياتنا؟
هل تخلينا عن الكتاب ، أم هو الذي غير شكله؟
هل مازال في بيوتنا أبناء يختلون بالكتاب في غرفهم ، مثلما يختلون بهواتفهم الخلوية؟
لماذا يقبع العرب في ذيل القائمة حين يتحدث العالم عن الشعوب القارئة ؟ هل من أمل؟
أسئلة بسيطة ومربكة في آن .. لكن حريّ بأن نواجهها .. وأيّ فرصة أفضل من أن نناقشها حين نكون في رحاب معرض كبير للكتاب مثل المعرض الدولي هنا في الدار البيضاء ، والذي يحتفل معكم وبكم بيوبيله الفضّي هذا العام.
خمسة وعشرون عاما من عمر هذا الموعد السنوي الذي يجمعنا ، ليذكرنا بالكتاب ، الناقل الرئيسي للمعرفة ، وأبرز مؤشرات التحضر .. فنحن نعرف بقدر ما نقرأ ، ومتحضرون بقدر ما نحتفي بالكتاب وأهله ، وبناة للمستقبل بقدر ما ننمي الصلة بين الأجيال الصاعدة والكتاب.
يقدر البعض أن الإنسانية باتت تعيش في عالم نسقه أسرع بكثير مما سبق عبر تاريخها الطويل .. بل إن ثمة من يقول إن مسيرة قرن من الزمن الماضي ، باتت البشرية تقطعها في عشرية واحدة. وهذا أمر صنعته التكنولوجيات الحديثة بالأساس ، تلك التي لا تتوقف عن مفاجأتنا و إدهاشنا كل يوم. ولعل شبكة الإنترنت أكثر ما غيّر ايقاع التاريخ البشري خلال العقدين الماضيين.. وفي مقدمته تكنولوجيات التواصل ، وعلى رأسها منصات التواصل الاجتماعي
نحن نعيش زمن ثقافة التدوينة السريعة عبر فيسبوك، والجمل المشفرة عبر تويتر، والصورة الخاطفة على إنستغرام.. إنها منصات في معظمها أشبه بمطاعم الوجبات السريعة ، تشبع، لكنها تخلف جملة من الأمراض.. توهم بالتواصل، لكنها تقطع الصلات وتوقظ النعرات.. تعطي انطباعا بأن الجميع يكتب ويتبادل الخبرات والمعرفة، لكنها في الحقيقة تقتل اللغة، وتبتر المعاني، وتعوّد على الكسل المعرفي، وتضع الجميع في سلة واحدة، فتضيع المواهب، ويتوارى المبدعون، ويتحول أدعياء الثقافة إلى قادة فكر، وصانعي رأي عام
غير أن نقد هذا الواقع الاتصالي الجديد لا ينفي الكثير من فوائد مواقع التواصل، فهي استطاعت أن تبني من العلاقات الإنسانية ما لم تقدر عليه البشرية خلال تاريخها الطويل.. كسرت حاجز الجغرافيا، فتعارف الناس على بعضهم البعض من أدنى الأرض إلى أقصاها.. وتجاوزت فوارق اللغة والثقافات والمعتقدات ، فتمكنت من بناء جسور بين الثقافات والحضارات والأمم على اختلافها.. كما أنه من الإجحاف القول إن المحتويات المنشورة على هذه المواقع هي دائما ضحلة وغير ذات فائدة، ففي أحيان كثيرة ، نعثر على مواد متبادلة لا تخلو من عمق تثقيفي بيّن ، وبعد معرفي واضح.
ورغم ذلك، لا مفر من القول إننا نعيش عصر عولمة ثقافة الاستهلاك ، اذ انتشرت إلى حد كبير الأفكار السطحية ، وضاعت المقاربات الخلاّقة في خضم تزاحم مواقع التواصل الاجتماعي وخيوط شبكة المعلومات المتشابكة .. فكان أن نتج عن ذلك ، تراجع للكتاب عن موقعه التقليدي ، حتى أصبح غريبا في مجتمعاتنا ، منسيا في رفوف حط عليها غبار النسيان والإهمال..
إلا أن وهم انقضاء زمن الكتاب يكاد يكون اختصاصا عربيا.. فنحن حينما نسافر أو نعيش في الدول الغربية، نلاحظ بوضوح كيف أن الكتاب ما زال سيد المعرفة ، وقائد الأفكار، وأمير المكتبات.. مازال حاضرا بين طلبة الجامعات، والمسافرين في وسائل النقل العام، ومحطات المترو، وقاعات الانتظار في المطارات.. هو بين الأيدي في المقاهي، وفي البيوت.. هناك، مازال الناس، كما كانوا دائما، يقبلون على القراءة بنهم ، ويكرعون منه بلا كلل، وينهلون بين دفتيه بلا توقف.
لقد آن الأوان لنعيد حساباتنا في علاقات أجيالنا الجديدة المتبرمة من الكتاب.. فليس كالكتاب والقراءة سبيل لدرء الانحرافات ، ومعالجة ظواهر التطرف والغلو، وبناء شخصية متوازنة ، تؤمن بقوة الحجة، لا بحجة القوة.
في هذا الموضوع ومن أجله، نسعد أن ننظم هذا اللقاء الذي يحضره بيننا الأديب الجزائري الكبير د.واسيني الاعرج ، الأديبة المغربية لطيفة باقا ، والأديب ووزير الثقافة الفلسطيني السابق د. يحي يخلف والذي تقدمه الإعلامية المتميزة فاطمة الإفريقي.
طنجة الأدبية