شهد الرقص الغربي المعاصر في لبنان حراكا ونهضة خلال السنوات العشر الأخيرة الأمر الذي أثار أسئلة كثيرة لدى الجمهور والراقصين والباحثين في مكنونات الرقص عامة وتاريخ هذا النوع من الرقص.
ويثير هذا النوع من الرقص نقاشات في صالونات الفن في بيروت حيث ألقت الفنانة بترا سرحال محاضرة سمعية وبصرية بعنوان (أداجيو: ملاحظات على جسد يشيخ) في متحف سرسق في بيروت.
وأداجيو هو مصطلح تقني في الرقص يعني الإيقاع البطيء في الحركة.
المحاضرة مبنية على مشروع بترا سرحال البحثي الحالي (أداجيو) الذي بدأ العام الماضي وهو البحث الأول من نوعه عن الفن المعاصر في لبنان.
وتقول سرحال وهي مصممة وراقصة وممثلة مسرحية وسينمائية إن هناك ”أبحاثا عن أشخاص مشهورين عملوا في حقل الباليه والرقص التعبيري مثل جورجيت جبارة وسلوى الخطيب أو عبد الحليم كركلا، ولكن لم أجد أي بحث علمي عن تاريخ الرقص الغربي في لبنان“.
ويركز بحث بترا وبالتالي محاضرتها على ممارسات تدريب الرقص والتمرين الجسدي التي تم استيرادها إلى لبنان من الغرب منذ أربعينات القرن العشرين، ويلقي الضوء على تأثير هذه التدريبات الجسدية على مر التاريخ في لبنان.
تهدف سرحال إلى مشاركة نتائج البحث مع الجمهور من خلال معلومات توثيقية ومجموعة من الفيديوهات، وفتح النقاش حول تاريخ الرقص في لبنان وتطوّره والحركة من خلال الأجساد التي مارست هذا الفن.
وفي هذا السياق، ناقشت خلال المحاضرة بدايات التدريب على الباليه في لبنان، متخذة معلّمة الباليه ومصممة الرقص سلوى عون الخطيب (التي تبلغ من العمر اليوم 80 سنة وكانت حاضرة يوم الخميس في الفيديوهات وفي المتحف) نموذجاً.
وتناولت وضع الرقص الغربي في لبنان منذ الأربعينيات وأماكن تعليمه وأشهر الأستاذة الذين علّموا حركاته، وغالبيتهم بريطانيون وألمان وفرنسيون. كما حددت أماكن العرض والحفلات وأشارت إلى احتكار الطبقات الارستقراطية والمتوسطة لهذا النوع من الرقص.
وقد انطلقت من الجسد الراقص العجوز المجعّد الذي أعطى كل ما لديه من طاقة ثم تقاعد بفعل الزمن لأن ”المجتمع ومعايير الجمال الحديثة والنظام الرأسمالي والنظام الأبوي يضعوه جميعا في خانة التقاعد“ مستشهدة بكبار الفلاسفة والكتاب الذين تناولوا الجسد كفكرة رئيسية في أعمالهم.
وتشرح سرحال بأن الرقص الغربي وصل الى لبنان عبر البعثات الأجنبية. وتقول ”تعاملت في بحثي مع الأجساد الراقصة الكبيرة بالسنّ كأرشيف، لأنها أجسام تحكي لغة خاصة وتتذكر وتعبر أكتر من أي لغة أخرى“.
وتتابع ”لقد ركّزت في الفيديوهات على لغة الرقص واستعمالاتها كأداة تواصل بين المعلّمة سلوى الخطيب وتلميذتها وكيف تؤثر هذه اللغة على الجسد“.
وقالت سلوى الخطيب التي كانت من أوائل راقصات البالية في لبنان بعد المحاضرة ”لقد كان الرقص ولا يزال شغفي الأول، ولطالما تحولت مدرستي في شارع الحمرا خلال الحرب الى ملجأ للأطفال حيث كنت أراقصهم على أصوات القذائف والانفجارات وأقول لهم هذه مفرقعات نارية كي لا يخافوا“.
وأضافت لرويترز ”لو كنت أريد الآن أن أصمم عرضا راقصا لصممته عن الحب“. وتابعت ”الحب هو الذي أبقاني حتى اليوم أعيش بسلام وطمأنينة، وحب الرقص هو الذي جعل جسدي يحافظ على رشاقته حتى اليوم وخصوصا يداي اللتان أعبر من خلالها عن أي شيء“.
طنجة الأدبية