راكمت فرقة مسرح الأفق على مدى أزيد من عقدين تجربة بارزة، من العمل الثقافي والفني على خشبة المسرح. ففي إطار تتبع حصيلتها، تنكشف مغامرتها الإبداعية الهاوية منذ تأسيسها بتطوان سنة 1997 ، تحكمت في مسارها الفني شكلا ومضمونا، وعكست بعض منطلقاتها التأسيسية.حيث زاوجت أعمالها المختلفة بين الأفكار القضايا والانشغالات والآراء المختلفة.. وفي أثناء ذلك خاطبت مختلف الشرائح الاجتماعية بلغة مسرحية يمتزج فيها عنفوان الشباب بطموح الهواة وإصرارهم المتواصل على ممارسة هذا الفن الجميل. وسعت لخلق ممارسة مسرحية عبر بناء أسس هيكل عام للفن المسرحي بالمنطقة. ومن هذه الأعمال : قاضى الفئران، وأحلام الفراشات الجميلٌة، والمرضٌ الوهمي ، وأنشودة قناص العصافيرٌ، ورثاء النوارس، والمشنوق.
غير أن متغيرات بارزة ستشهدها مسار الفرقة المسرحية في سنة 2000، بعد تحول بارز فى مسارها الفني. فاختارت مكانا لها ضمن المساحة الشاسعة للاحتراف، بالرغم من انعدام شبه كلى للبنيات الثقافية الضروريةٌ… لاحتضان هذا الانتماء . وقد برز مؤشر قوي لهذا الاحتراف في أول عمل لها، خلال افتتاحالفرقة موسمها الفني 2000- 2001 بمسرحية الرأسمالي. ففاجأت جمهورها بتحولها الفني ” صناعة وفرجة..” الذي تواصل في صلب مسيرة المؤسسة المسرحية، التي تمسكت بهذا الرهان الصعب، وقد تمكنت من أن تتحول إلى فرقة مستقلة لإنتاج وترويج المسرح على أوسع نطاق. ففي حصيلة مهنية موفقة، أنتج مسرح الأفق أعمالا تجريبية قدمت داخل وخارج المغرب بالعربية الفصحى والفرنسية . تحكمت في مسارها الفني بعض الاتجاهات الإبداعية، وعكست بعض منطلقاتها التأسيسية…. مما جعل هذه الأعمال تعتلي خشبات المسارح المختلفة، ومن هذه المسرحيات: التسرسيرة سنة2001 ، الحافلة سنة 2002 ، آي حواء سنة 2003 ، اللامنتظر سنة 2004 ، الناس والحجارة سنة 2005 ، عدوى بيكيت سنة 2006.
وصاحبت التجربة الاحترافية التي أقرتها الفرقة المسرحية، تنظيمها لثلاثة دورات من ملتقياتها المسرحية، وهي ربيع تطوان الأورو متوسطي للمسرح التجريبي ، بحضور عدة دول عربية ودولية. وشاركت في عدة مهرجانات وطنية ودولية، ومنها مهرجان الفجيرة للمونودراما بالإمارات العربية المتحدة بمسرحية الناس والحجارة في سنة 2005 ، ومهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي بمسرحية الناس والحجارة في سنة 2004 ، ومهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي بمسرحية آي حواء في سنة 2003. ينضاف إلى ذلك تدشين إصدارات ثقافية في ربيع 2003 ، اختارت لها اسم سلسلة ” الخريف المسرحي” ، فصدر العدد الأول في ماي 2003 ، وهو عبارة عن أعمال الندوة المسرحية المنظمة على هامش الدورة الأولى للملتقى المسرحي لمسرح الأفق، ويحمل عنوان الكتاب”نحن والتجريب المسرحي” وشارك فيه ثلة من أبرز المسرحيين من مصر والأردن والمغرب.
هذه المسيرة الفنية المتواصلة في العطاء، جعلت مؤسسة مسرح الأفق تستقطب اهتمام الباحثين والنقاد لتاريخ المسرح في المغرب، بعد التطور اللافت في عملها المسرحي، رغم ما تعانيه البنية التحتية من مشاكل هيكلية، فلم تعد المؤسسة المسرحية تكتفي باجترار الأساليب المستهلكة، بل عملت على الدخول في مجال الابتكار والتجديد، واحتضان تقنيات بارعة في أعمالها المتنوعة، ترسخت تدريجياً فوق الركح وعلى مستوى الكتابة الدرامية حتى أمست مسرحياتها إغراء وجذبا للباحثين والدارسين للمسرح ولجمهورها الذي أخذ في التوسع.
وعلى امتداد هذه المسيرة الفنية بشقيها الاحترافي والهاوي، استطاعت فرقة مسرح الأفق مستندة إلى أساليب فنية حديثة، أن تفرض نفسها كمسرح فاعل ومتجدد . مثيرة قضايا هامة فنيا ومجتمعيا، معتمدة على مجموعة من الفنانين المتألقين الذين يشتغلون بمنهجية احترافية، وهم يراهنون على العمل الاحترافي بمستوى عال سواء على مستوى المواضيع أو على مستوى العرض بهدف ترسيخ منظومة مسرحية مغربية، ذات بعد فني واجتماعي وتعليمي.
وهذا يعني أن حضور هذا المسرح منذ أزيد من عشرين سنة، قد خضع إلى شروطه الخاصة في العمل الفني والثقافي . ومارس سياسة التحدي الصعب للتأكيد على رغباته وطموحاته ومهاراته التي بلورتها خطاباته الفكرية والسياسية والاجتماعية والفنية ، وكذا تنظيراته وأساليبه المتجددة التي تجاوزت مرحلة التأسيس لتندرج في مجالات تجريبية خلاقة. ومن خلال هذه التجربة رسم مسرح الأفق استراتيجية لا تضع في اعتباراتها إلى الكسب المادي، وإنما اعتمد أسلوب ” من الفن إلى الفن” لتحقيق أهدافه.
وفي هذا السياق يكشف رئيس عبد السلام الصحراوي في تصريح صحفي، أن رهان فرقة الأفق للمسرح انصب على خلق تجربة مسرحية واعية ومستقلة مستوحاة من الحياة اليومية ، تجربة تساهم في تنمية الوعي الجمعي، لتوسيع دائرة مشاركة الجمهور في الحياة المسرحية، الأمر الذي سيساعد على فتح نقاش عميق حول المفاهيم الحديثة ، وترسيخ ثقافة الحوار حول منظومة القيم الجديدة التي أصبحت جزءا من أسئلة اليومي للمواطنين.
وقد حققت هذه التجربة الفنية احتراما كبيرا لدى عموم الباحثين ونقاد المشهد المسرحي، في السنوات الأخيرة داخل المغرب وخارجه. كما توجت التجربة بحصول مسرحية “بيك نيك نزهة في أرض المعركة” لسنة 2017 ، على دعم المسرح الوطني عن عملها بعد اختيارها من بين 48 عملا مسرحيا، اختير منها عشرة أعمال.
وحظيت فرقة مسرح الأفق بشرف تمثيل مدينة تطوان بمسرحيتها الأخيرة “بريسا” ، فشاركت في المسابقة الرسمية للمهرجان في دورته العشرين التي نظمتهاوزارة الثقافة بمدينة تطوان، من 7 إلى 14 دجنبر 2018. بعد أن نالت ثقة لجنة دراسة طلبات عروض المشاريع في مجال المسرح، إلى جانب 12 عرضا مسرحي، يمثل فرقا من مختلف المدن المغربية. كما توج رئيس فرقة مسرح الأفق عبد السلام الصحراوي بتكريم خلال افتتاح فعاليات هذا المهرجان الوطني، عرفانا بما قدمه وبذله في سبيل تطوير المسرح بالمغرب على مدى عقود.
أحمد المريني