بثياب متناسقة الألوان مع ملامحك ، دخلت من الباب الرئيسي للمركز التجاري كمن يبحث عن شخص ما ، أو كمن يبحث عن نفسه ، و نفسي ، وأبحث عنك بجوارك دون أن نجد بعضنا البعض حقا ، تقتحمني كفنان تشكيلي يضع قبلة على خد لوحته ، نكمل السلام و من ثم تعود إلى نظراتك التشكيلية ، الانتقائية إن صح القول ، و أنظر إليك ككاتبة تحاول أن تجمع جملا لعلها تنجب فكرة ، لكنها احتاجت عملية قيصرية هذه المرة ، فلا كاتب يقتحم فنانا تشكيليا ، ولا شاعرا يخضع لوحة تتحدث صامتة بكل ما كتبه بمئات الصفحات ؛
لك صوت لا أدري إن كان لرجل مخمور على وشك الغناء ، أم لنائم يحدث نفسه ، أشبه بالبكاء عند آخر لحن مثلا ، يذكرني دائما بصوت
في أغنيته hail sezai
، كأن صوته يتهاوى وهو يصرخ عصيان ؟Isyan
ان صوتك عصيان من نوع آخر ، اعتنق الصمت أرجوك فصوتك داهية لقلبي .
– مرحبا ، لعلنا كدنا نتوه عن بعضنا؟
ربما… –
اصمت أرجوك.
لكننا في النهاية وجدناها. –
– ما هي ؟
بعضنا. –
يكفي.
اخترت مقهى يطل على الجانب الراقي للمدينة ، بلوحات تشبهك ربما ، بحائط يميل للأشياء القديمة ، و بكتابات على جدرانه تمد في النفس اطمئنانا للمكان ، تحدثنا قليلا عن طنجة ، و عن أحيائها ، أخبرتني : – إن الحي الفلاني مثلا ، الكل يتغنى عن درجة خطورته ، لكنك إن مررت منه فإنك لن تشعري بشيء حتى ، فلا خطر يحلق في السماء كما هو شائع ، إن الخطر الحقيقي هو ما تنجبه أنفسنا ، كل شخص بداخله خطر ما ، تجاه شخص ما أو تجاه طنجة أساسا.
أجبتك بعد تنهيدة مطولة : – لكن انظر ( أشرت بإصبعي على الزجاج المطل على المدينة ) هنا ، إنه تزييف ، نأبى أن نعترف لأنفسنا بذلك.
– ولكن لم النظر إلى هناك ، إننا مزيفون من الداخل لا من زجاج النافذة المطلة على الجانب المريح من طنجة ، إننا لا نشبهها ولا حتى هي تشبهنا ، أنت تطلين عليها الآن أو على جانب منها ، لكن نظرك حقا ليس هنا ، و هذا ما تريدينه لتكتبي، لا لشيء سوى لأنها تحتاجك.
– أنا لست بطلة فيلم لأقوم بدور البطولة ، أو لأتباهى بالإنقاذ الذي ربما لن تحصل عليه لا طنجة و لا حتى أنا بدوري.
– لا تسير الأمور هكذا ، ربما تؤرخين جلستنا هذه لاحقا كما يحلو لك ، لكن الآن تذكري أن ليس كل شيء يحلق عاليا ، أحيانا نحتاج أن ينخفض مستوى رؤوسنا لنلقي نظرة.
– رؤوسنا لا عقولنا ، فما فائدة أن ينخفض رأسك مثلا دون أن تحرك ساكنا تجاهها ؟
قد نحرك ساكنا دون أن يجدي ذلك نفعا ، لأن طنجة تفرض علينا ما نراه. –
– لكنها لا تفرض علينا التزييف ، الذي نعرفه تماما.
و هذا تماما ما قصدته بأنها لا تشبهنا. –
ثم أضفت بقليل من السخرية : – انظري الآن من الزجاج ، إننا هنا في هذه الساعة المبكرة من الصباح نتحدث عنها دون أن تحرك ساكنا أو تأبه لنا حتى ،هي بالأساس لازالت نائمة.
ثم ختمت : – لا بأس بقليل من التعصب ، في الكتابة فقط ، لا في الحكم على المدينة.
لا أدري حينها أكنت كاتبا ، أم رساما ، أو ربما عصاميا ؟ لا أدري ما أسميك حقا ، ما أعرفه أنك تحتاج صمتا لتقول كل شيء ، تحتاج نخزة افتراء لتنتمي لبقعة ما ، أكنت رساما حقا ؟ ثلاثيني بملامح هادئة و مشاعر ثورية ، لا يدري أيسخر من كل شيء أو يأخذه على محمل الجد ، ربما هذا ما تحتاجه اللوحة ، و ربما هذا ما نحتاجه حقا ، نحتاج شخصا يرتدي ملابس تشبهه ، كفنان تشكيلي يضع شالا على عنقه مثلا ، و يتحدث بأشياء تشبهه أيضا ؟
رد : – لا نحتاج أن نكتب أشياء تشبهنا ، بل تشبه الآخرين.
ثم استشهد بجملة قالتها أحلام مستغانمي : – القارئ يحب ما يشبهه
– إذن هناك فكرة للكتابة ؟
– أبدا ، هناك فكرة للحديث لا أكثر ، فخيانة التعبير قد تسقطنا في فخ النقاد الفارغين ، الفكرة تحتاج صرخة واحدة فقط لا تشملها الفواصل و النقط ، و هذا المميز في اللوحات التي ترين الآن.
كل هذا الحديث كان بحركات الأيدي التي تتماشى مع كل جملة بتناسق تام ، بصوت نائم لا مخمور ، ربما هدوءا ؟ اخترنا أن نخوض نقاشا دون أقنعة ، دون قلم لندون به ما يقال، أو حتى فرشاة لنصف بها المكان أو نلونه ، فأخبرني من أنت بحق السماء ، و ما أسميك ؟ فنانا تشكيليا ؟ أم كاتبا خانه التعبير لكن لم يخنه الاختيار ؟ كنت طنجاوي في ارتباكك و تعدد أشيائك ، لكنك غريب عن طنجة في نهوضك باكرا ، و غالبا ما يتركك عصيانك عن الكتابة في مواجهة مع فرشاة صامتة تتحدث بدلا عنك في لوحات متتالية عن المدينة و عن كل ما تأبى قوله ، تفكر أن ترسمها و تتعمد أن تؤرخ نفسها في ملامحك المتعبة ، احتسي قهوتك ولا تأبه لما يحدث خارج الزجاج الشفاف ، انظر إليها كمن ينظر إلى بقعة ما من نافذة القطار ، وتجاهل ، نفسك لا هي ، ارسم ليلها فصباحات طنجة لا تشبهها ، يا فنانها التشكيلي.
خلود الراشدي-طنجة
تحيااأااااااتي ، ما لن يقال عن طنجة إلا بالكتابة ، نرجو لو كانت التتمة إلى النهاية ، ننتظرها على شكل فقرات مثلا ؟؟؟؟ من معي في الفكرة ؟ نحتاج حديثا مطولا عن طنجة بنفس قوة الكتابة .
خلود
ابدعتِ فأدهشتِ و امتعتِ
برااافووو
روعة لقد وقعت في حب طنجة من خلال نظرتك لها فكلنا نملك نفس الأعين لكن النظرة للأشياء تختلف ونظرتك لها استطاعت أن تكشف حجاب الجمال الذي كان مخبأ . سلمت الانامل ♡