كيف جاءت فكرة فيلم “امباركة” وصولا لمرحلة الكتابة؟
من بعد فيلم “غضب” اشتريت حقوق رواية صاحبها يعيش في كندا لكن طفولته قضاها في بوجنيبة، قرأت الرواية وأعجبتني وأخبرته أنني أريد أن أُحَوِّلها لفيلم لكن بشرط أن أُلقِّحها بطفولتي. هذه الرواية عن الطفولة وقد وجدتُ بها الأجواء التي وظَّفتُها في الفيلم ابتداء من خريبكة والفسفاط ثم القطارات، ولما بدأت في الاشتغال على السيناريو وجدت أن الشخصية التي أدخلتها على الرواية أصبحت طاغية على أحداثها وشخوصها، وهكذا وضعت الرواية جانبا وشرعت في الكتابة عن شخصيتي هاته التي هي طفل، وبعد ذلك جَرَّتني الشخصية لذاكرة طفولتي التي شاهدت خلالها ابنة عم والدي التي كانت “عريفة” (إمرأة كانت تشتغل مع الشرطة تتكلف بالنساء) والتي كانت تتمتع بشخصية قوية ولا تخالط سوى الرجال، وكان لديَّ اتجاهها وأنا صغير السن إحساس سلبي، ومن بعد ذلك أوصلتني هذه الشخصية لشخصية جدَّتي التي كانت مُداوية تداوي الناس ، ومن هنا بدأت فكرة الفيلم، وأخذتُ أشتغل على الذاكرة وعلى الطفولة ، وحتى شخصية اللص بائع السمك أخذتها من شخصية لص كان يسكن في الحي المجاور لحينا، والمشهد الذي يهرب فيه من الشرطة ويحتمي بصومعة المسجد حدث في الواقع إذ هرب واعتلى برجا لصهريج مائي وهددهم كما في الفيلم.
كيف اخترتَ الممثلين وكيف أدَرتهم، مع العلم أنهم باستثناء فاطمة عاطف ممثلون مغمورون ولا نعرف شيئا عنهم أو هم يمثلون لأول مرة؟
الممثل الذي أدَّى دور شعيبة بائع السمك (أحمد مستفيد) سبق له أن اشتغل معي في فيلم “واش عقلتي على عادل” في دور صديق عمر لطفي ثم اشتغل في أدوار صغيرة مع فوزي بن سعيدي، ولم يتم استدعاؤه أو الاستعانة به بعد ذلك في أي فيلم لمخرج آخر، أما الممثل الآخر فلم يسبق له التمثيل نهائيا في السينما، وأنا دائما أريد تلقيح ممثلين ذوو تجربة بطزاجة أولائك الذين لم يسبق لهم أن مثلوا أبدا ، فالممثلون المحترفون خصوصا إذا كانوا قد سبق لهم التمثيل في التلفزيون يصبح أداؤهم نمطيا وقليل هم من لايسقطون في النمطية، وهكذا يصبحون كمثل إناء يصب الواحد منهما في الآخر، الواحد يستفيد من احترافية الآخر والآخر يَمتح من طزاجة الثاني، بالخصوص إذا لم تحضر نوع من الأنانية والتي تأتي من أولائك الذين نسميهم احترافيين.
أنا لا أمارس “الكاستينغ” بشكل تقليدي بل أجمع نحو عشرين شخصا وأخلق معهم وبينهم نوعا من الحوار لدرجة أن كل واحد يبدأ في الحديث عن حياته وهكذا يخلق نوع من التواصل بعد نوع من التخوف والانزواء في بداية الأمر، لِيَتَّضح لي شيئا فشيئا من سيلعب الدور، اخترت الممثلين حتى في الترومواي أما الذي لعب شخصية عبدو والتي لعبت شخصية صديقته فقد اخترتهما من الثانوية.
-أعطيتَ فاطمة عاطف أهم دور لَعبته لحد الآن في السينما المغربية، لا من حيث أهميته الدرامية كدور محوري ولا من حيث مساحته، كيف أدرتَها علما أنه بدا لي أنها كانت جيدة رغم أننا كنا في بعض لحظات الفيلم نلاحظ طغيان الطابع المسرحي على أدائها؟
كثير من الممثلين الجيدين الذين يشتغلون في التلفزة أو حتى المسرح، رغم أن من يشتغلون في هذا الأخير لايكون هنالك مشكل كبير معهم، نجد مشاكل في إدارتهم. أصحاب التلفزيون حينما تطلب منهم التمثيل بدون حوار يَتُوهون ويأدُّون بأيديهم وأرجلهم ، لكن رغم كل شيء يظل وجود فاطمة عاطف في الفيلم بالنسبة لي مُرضيا ومُقنعا وحتى طبيعة تكوينها الجسدي كانت ضرورية للدور، إذ لو لم أتمكن من الاشتغال مع فاطمة عاطف لاستعنت بإيطالية أو يونانية لأنهن من يتمتعن بنفس شكل التكوين الجسدي الذي يُذكِّر بِهَيبة النساء الإغريقيات في الأساطير اليونانية.
حاوره في خريبكة: عبد الكريم واكريم