أجهزة التلفاز والإذاعات العامة والخاصة في اضطراب معكوس عن اضطراب الملقين الآن، والملتفين حولها في كل الأصقاع.
خرج صوت وقور ليقول: في ظاهرة غريبة من نوعها وخارقة لكل القوانين وعلية فوقها تظهر لنا السماء هذه المرة بغيومها ومطرها الذي تحول الآن إلى رسائل من ورق ، تمت الاستعاضة عن H2O إلى الورق كرسائل من السماء.
وتابع: وهنا أعزائي المشاهدين نحن نلتقي مع جملة كبيرة من العلماء والفلاسفة والمختصين بهذه الظواهر لعلّنا نجد حلاّ علميا يمكننا من فهم ما يجري خاصة بعد حالات الرعب والذعر التي حلّت على الناس جميعهم، مما استلزم من أغلب دول العالم إعلان حالة غريبة تتسم بالحداد العام والاستنفار العام، الحداد على وجود شيء اغضب آلهة السماء والاستنفار من تداعي الأمر لينقلب إلى كارثة عظمى.
– وهل هنالك أعظم من هذه الكارثة. رد قسّ مبجّل بذلك.
– عفوا سيدي – المذيع .
– القس: أقول هل هنالك كارثة اكبر مما يحصل الآن، السماء تمطر ورقا .. اوه يا رب السماء. وهنا امسك بصليبه وقبّله بحرقة.
– صوت مبجل خفيف رد: لا داعي لهذا الحديث الآن، دعنا نسأل أهل الاختصاص عن ذلك.
– للأسف نحن لا نملك أدنى تفسير لذلك، باسمي وباسم الأعضاء في الأكاديمية العلمية للعلوم عامة، أعلن أننا فشلنا إلى الآن في إيجاد أي تفسير لما يحصل.
– ولماذا ذلك؟
– لماذا ماذا؟ هذه الظاهرة الغريبة لأول مرة تحدث منذ الأزل، أصلا من المستحيل أنها حدثت من قبل لان إمكانية حدوثها معدومة، وبالتأكيد أنها لن تتكرر.
– رد صوت آخر: لكنها حدثت، ولم تحدث كطفرة مقطوعة الأوصال بين ما سبقها وما سيتبعها، العلم برمته يرفض ذلك.
– صوت رابع: طبقا للقوانين الطبيعية فان هذا يستوجب وجود معجزة قد حدثت يعلو محدثها على كل قانون.
– القس: نعم، انه الرب من أوجدها .
– كبيرهم: لحظة حديثه صمت الجميع وهدأت القاعة وخفّ ضجيج الشاشات وحدّقت الأعين بإمعان: لا مجال أن تحدث هذه الظاهرة، في كل ما حدث سابقا من ظواهر طبيعية مذ ابتدأ الكون عبر إنفجاراته وما حصل بعدها، كان كل ذلك قابلا للفهم والتنظير وفق علاقات رياضية توصّل العقل البشري لوجودها ، وعليها قسنا وفهمنا ومشينا وأبدعنا، لكن ما يحصل الآن يقف العلم والعقل البشري برمته أمامه صنما لا يملك الخطى، فهو الآن أعمى أصم وأبكم، وهو الآن أبكى. نحن لا نملك الآن إلاّ العودة لمغلّف المعجزات وفتحه لنحاول أن نعلم ما يحصل الآن حتى نفهم ما يحصل مع بعد ذلك في نظري.
– صوت مبجل آخر: الم يقرأ احد منكم ما جاء في هذه الرسائل.
الجميع في التفات إليه ،ماذا سألت؟ ما السؤال؟ وصخب في القاعة وتمتمات توحي كلها بأن: لا لم اقرأ، وأنت؟ وأنا أيضا لم اقرأ.
الأصوات من بعد في كل بعد في هذا العالم تقول: ونحن لم نقرأ . سوى شاب في منتصف العمر استغل هذا الشلل الذي أصاب البلاد والكل مختبئ في منزله، الشوارع فارغة والمحلات التجارية مفتوحة على مصارعها، توقف عند محل تجاري كبير كان قد اختلس منه قبل فترة بسيطة قاربت الأسبوع مبلغا ماليا سانده وعائلته لأسبوع، كان ذلك حين دخل منتصف الليل عنوة عما يحمي المحل واخذ ما اخذ وهرب، لكنه الآن أمام نفس المتجر، و أبوابه مفتوحة على مصراعيها، لكنه تردد كثيرا في الدخول والأخذ بهذه الطريقة، فجلس أمام المتجر ينتظر عودة البلاد إلى حركتها ليقوم بفعلته باحترام، وعندما همّ بالعودة إلى المنزل فارغ اليدين هطلت السماء رسائلها بغزارة، إلى درجت أن واحدة من الرسائل سقطت في يده ليمسكها ويقرأ: الرسالة الحمراء، عودوا إلي، لقد ملّت الآلهة منكم، ملت استغاثاتكم وما دعوتم، ملّت من أمراضكم و أوجاعكم، ملّت من سماع آهات مرضاكم ودعوات مظلوميكم ، ملّت من نداءات الاستغاثة واللّهفات والدعوات والرجاءات، ملّت من رؤية دموعكم، سنعيدكم سيرتكم الأولى، إلى حيث اللاّوجود، سنطوي الصحف، وسنعلّق البدل في الخزائن وننظّف الأواني ونجهّز الأسرّة و نعدّ ملابس النوم للجميع، ليس لهذا نزلتم وبسبب هذا صعدتم، نحن نشعر بالخزي منكم، عودوا بسرعة،عودوا والعود نار.
– إنه ليس إلاّ تعبيرا عن ملل الآلهة منا. رد صوت آخر من الجالسين.
– إنه ليس إلاّ تعبيرا عن ملل الآلهة منا. لقد سئمت الآلهة منا ومن ضعفنا وتصرفاتنا. رد صوت آخر أيضا من الجالسين مؤكدا ما قاله سابقه.
أمسك الشاب برسالته، ثم مدّ ذراعيه ليلتقط الرسائل الأخرى، وبدأ يفتح الرسائل كلها ليجد أن الرسالة واحدة، وهي تقول : صوت الدم أعلى من صوت التوسل والرجاء و أكثر قبولا.
وليمسك الشاب برسائله في يده ويلقي بها أرضا قبل أن يعود إلى المتجر ويلقي بحمولة كبيرة منه في سيارة صغيرة أخذها أيضا عائدا إلى بيته.
– لعلّهم ينهضون . قرأ كبيرهم نص آخر رسالة وقعت في يده بصوت عال للجميع.
وهنا أعلنت السماء رضاها لتعود أمطار السماء كما كانت ، ولتلغى رسائل الورق حين عاد أصحاب المتاجر والمصارف والبنوك والمحال التجارية وكل منهم وغيرهم إلى مشروعه ليجده خاويا ولتقم لأول مرة أيادي السماء بالنزول أرضا في العلن.
سفيان توفيق