لم تعرف بلادنا طيلة سنوات استقلالها عن فرنسا وإسبانيا الغاشمتين رؤية ثقافية لدعم القراءة والدعوة إليها بما يشعر بأهميتها وضرورتها الحضارية.
وحينما نقول رؤية ثقافية؛ فإننا نعني بذلك الخطوة المهمة التي تسبق صياغة الخطة الاستراتيجية المحكمة القائمة على المراحل الواعية لجعل القراءة فعلا اعتياديا داخل الأوساط المجتمعية المتمايزة بفئاتها القارئة والمثقفة.
جميع البرامج الحكومية الموجهة لمرفق الثقافة، تاريخيا، لم تستحضر أولوية القراءة في مشروع الارتقاء الثقافي للبلاد وللمواطن، لذلك نجد اليوم فعل القراءة بين فئات المجتمع ضعيفا جدا، وخجولا، ويدعو إلى الحزن والغم والنكد.
القراءة في المجتمعات المتقدمة باتت تقليدا لا يمكن تجاوزه بأي فعل تنشيطي آخر، رغم أن القراءة في هذه المجتمعات تكاد ترتبط بالموسيقى والسينما والمسرح؛ لكن تبقى القراءة أساس كل الأنشطة المساهمة في التربية والتوعية والتثقيف.
والقراءة التي تطال كل مجالات العلم والمعرفة والثقافة، هي التي نعتبرها مشروعا حقيقيا لبناء المواطن الصالح، ولبنة قوية في صرح المجتمع التواق لمعانقة أسباب النهضة والرقي والحرية والعدالة والكرامة.
إن الدعم المالي الحكومي للسينما، وللجمعيات المسرحية، وللمجلات والدوريات الثقافية، أمر في غاية الأهمية، رغم أنه متعثر بشكل كبير، وتعتريه عيوب أخلاقية عديدة، بل ويفتقر لآليات النزاهة والحكامة والاستقامة الفكرية، لكن دعم مشروع للقراءة يعد مدخلا أساسيا لأي دعم ثقافي وفكري وعلمي آخر.
نحن لا ننفي ولا ننكر المحاولات الحكومية الساعية إلى دعم القراءة، غير أننا نراها محاولات غير مدروسة ولا مخطط لها بصورة علمية وممنهجة، كما أنها غير ذات تأثير كبير في دفع الناس إلى قراءة الكتب الفكرية والتاريخية والروايات والقصص والدواوين الشعرية وغيرها. لذلك نرجو أن تتجه الإرادة الحكومية نحو دعم القراءة والاهتمام بالكتب انطلاقا من خطة عملية مشجعة ومحفزة؛ كإقامة مكتبات متنوعة الكتب بالمدارس والمؤسسات التربوية والتعليمية، وعقد شراكات مع المكتبات الخاصة تقضي بتخفيض الضرائب عنها، وإقناعها، بالتالي، بتخفيض أثمنة كتبها، وتشييد رفوف خشبية وحديدية بالشواطئ مخصصة للكتب والجرائد والمجلات، وأخرى بالحدائق الكبرى، ومحطات الطرق والقطارات والمطارات، وإجراء مسابقات حول قراءة الكتب والاستفادة منها بصورة فصلية أو نصف سنوية… وغير ذلك من الاقتراحات العملية الممكنة.
نعم.. ندرك جيدا صعوبة تنفيذ هذه الاقتراحات دفعة واحدة، نظرا للعوائق والعقبات الذاتية والموضوعية للمجتمع المغربي، كانتشار الجهل والأمية، وانعدام الوعي الحضاري بشأن أهمية القراءة والحاجة إليها، وبضرورة الحفاظ على الملكية العامة والخاصة للدولة والأفراد والجماعات، ولكن يمكن لنا الانخراط في تنزيلها تدريجيا وحسب الأولويات والظروف الاجتماعية.
إن دعم القراءة في بلدنا بكل الوسائل المتاحة، وباعتماد الطرق العلمية البناءة، قد يكون من أهم مداخل النهضة والتقدم والتنمية والحياة الكريمة.. فهل من مجيب؟
طنجة الأدبية