صدر حديثا : الكوكب الضائع . قصة للأطفال ، عن أ.دار الهدى . كفرقرع.
رسومات الفنانة الأردنية رنا حثاملة ، تقع القصة في 28 صفحة من الحجم الكبير ، القصة عبارة ثمرة دورة الكتابة الابداعية بإرشاد الأديب سهيل ابراهيم عيساوي وبرعاية المكتبة العامة – كفرمندا . ومديرها ابراهيم ضراغمة . صدرت القصة بدعم من وحدة الشبيبة في المجلس المحلي كفرمندا،ومديرها الاستاذ أحمد سعيد زيدان .. مراجعة لغوية الاستاذ صالح احمد كناعنة ، ،القصة من تأليف الطلاب المبدعين من مدارس كفرمندا الابتدائية. تتحدث القصة عن الخيال العلمي ، وغزو مخلوقات فضائية غريبة الأطوار الكرة الارضية ، من أجواء القصة :” بِهُبوطِ المَرْكَبَةِ الفَضائِيَّةِ العَجيبَةِ بَدَأَتِ الأخْبارُ تَنْتَشِرُ في كُلِّ أنْحاءِ العالَمِ كَانْتِشارِ النَّارِ في الهَشيم، نُسِجَتِ الأساطيرُ وَالأقاويلُ، وأخذتِ الإشاعاتُ تَتَطايَرُ في الهَواءِ حَوْلَ المَخْلوقاتِ الفَضائِيَّةِ الغَريبَةِ… بَدَأَ النّاسُ يَنْسِبونَ لَها قُدُراتٍ خارِقَةً! تُمَكِّنُهُم مِنَ القِيامِ بِأشْياءَ رَهيبَةٍ وَمُخيفَةٍ! وَدَبَّ الهَلَعُ وَالفَزَعُ في قُلوبِ النّاسِ!
في هذِهِ الأثْناءِ كانَ عدَدُ المَرْكَباتِ الفَضائِيَّةِ القادِمَةِ مِنَ الكَوْكَبِ الجَديدِ في تَزايُدٍ مُسْتَمِرٍ، في أحْياءِ وَأزِقَّةِ وَجِبالِ وَرَوابي القُدسِ” القصة كتبت بلغة سلسلة وجميلة وأسلوب جذاب تحمل في طياتها مغامرات شيقة ، ورسائل اجتماعية وتربوية .
طنجة الأدبية
قصة قصيرة
بلاد الأندلس
عادل الصفار
اتقدت جذوة السعادة في نفسها ما ان تململت في فراشها، وجعلت تسري في جسدها كالنار في الهشيم حتى تملكت كل جوارحها. فتحت عينيها تتأمل الأشياء من حولها، احتضنت الوسادة بشغف شديد..ألقتها متجهة نحو الشرفة. تنفست بعمق وهي تقف متأملة فجر البلاد لأول مرة، حركة الطريق أمهامها لم تزل ضئيلة فجذب نظرها الأفق المتوهج حمرة، جالت ببصرها فاتحة ذراعيها ثم ضمتهما الى صدرها وكأنها تحتضن البلاد برمتها بشوق طال أمده بعد ان قرأت عنها الكثير.. وها هي لأول مرة تتأمل معالم المدينة بعد ان دخلت أجواء البلاد وهبطت على أرضها..ساعات النهار الماضي والليل فقط ما يفصل بينها وبين هذه الشقة التي التي استأجرتها ببناية تقع وسط المدينة.. بدأ قرص الشمس يرتفع شيئاً فشيئاً مرسلاً خيوط أشعته الذهبية التي أخذت تتلألأ على رؤوس المباني مع بداية حركة السيارات والناس التي أخذت تتزايد على الطريق.. دست أناملها الرقيقة بين خصلات شعرها الناعمة المتناثرة فوق كتفيها دافعة إياها للخلف وهي تتجه الى داخل الشقة مفعمة بالسعادة والفرح.. دخلت الحمام، جعلت تخلع ملابسها قطعة بعد قطعة حتى تعرت تماماً، راحت تتأمل جسدها واضعة ثدييها بين كفيها تدعكهما برفق مرددة: ـ يا بلاد الأندلس امنحيني زوجاً يحبني، يحترمني، يقدرني، كي أنجب لكي أولاداً بجمال طبيعتك يزهون بألوانك ويعبقون بعطرك..
******
ما إن خرجت من الحمام حتى ارتدت أجمل ملابسها وسرحت شعرها تعطرت وتزينت، ثم تناولت حقيبتها فتحتها وجعلت تعد نقودها.. بعدها خرجت الى الطريق وهي تحدث نفسها:
ـ يجب ان ابحث عن عمل بأسرع ما يمكن..
سارت في الشارع متأملة وجوه الناس تمنت لو أنها تبدد غربتها بكسر كل الحواجز بينها وبين الآخرين، ودت لو أنها تكلم كل الناس من حولها وتسمع منهم.. دخلت السوق تشق طريقها وسط الزحام مبتسمة في وجوه الأطفال ملقية التحية على النساء والباعة محاولة إيجاد مسوغات لمحاورتهم.. تأملت واجهات المحال توقفت عند بعض البضائع المعروضة.. وأخيراً توقفت أمام متجر كبير للأزياء تأملته قليلاً من خلال الزجاج، ثم دخلته وعيناه تحدق في أشكال وألوان الملابس والحقائب وبقية الأشياء حتى وصلت طاولة من الصاج تزينها باقات من الورود داخل زجاجات بأشكال جذابة في تصميمها ورسومها وألوانها يجلس خلفها صاحب المحل الذي واجهها بابتسامة عريضة وهو يقول: هل أعجبك شيء من المعروضات..؟
فبادلته الابتسامة وهي ترد عليه: ـ نعم.. كلها جميلة وجذابة لكني لم أدخل بقصد الشراء، فأنا أبحث عن عمل..
ـ أهلاً وسهلاً.. تفضلي.
قالها وهو يشير الى كرسي أمامه.. وجعل يطرح عليها أسئلة في محاولة لدخول عالمها والتعرف على ميولها ورغباتها ومدى حاجتها للمال.. بعد ذلك فاجأها قائلاً: ـ أرجو أن نبقى على اتصال..
وناولها كارتاً صغيراً وهو يواصل حديثه: ـ هذا مثبت عليه رقم هاتف المحل وهاتفي الخاص يمكنك الاتصال بي متى تشائين، ليس بالضرورة ان يكون بشأن العمل، بل في أي شيء تحتاجين اليه.. والآن اختاري ما يعجبك من المحل واعتبريه هدية تعارف مني..
ـ شكراً..
قالتها بخيبة أمل واتجهت نحو الشارع..
*****
مرت الأيام وهي تبحث عن عمل، والهم يزداد ثقلاً على قلبها.. لم يبق سوى أيام قلائل ويحين موعد دفع أجار الشقة، هذا ان لم تعر اهتماماً لما تأكل وتشرب.. فتحت حقيبتها، وجدتها قد امتلأت بكارتات العناوين وأرقام الهواتف، وكرامتها تأبى عليها أن تتصل بأي منهم أو تطلب مساعدة من أحد.. بدأت تقلق على حياتها واستولى عليها شعور بالاختناق والضجر. وهاهي الآن مستمرة في قطع الشوارع متأملة واجهات المحال متنقلة من حي الى حي.. فجأة..!!! وإذا بها تبصر ورقة لصقت على زجاج مكتبة ضخمة تعرض الكثير من أنواع الكتب، اقتربت منها فتهلل وجهها فرحاً وهي تقرأ: ـ مطلوب آنسة مثقفة للعمل..
دلفت مسرعة الى الداخل واجهت شاب وسيم أنيق في قيافته يفوح منه عطر فرنسي ثمين، قال لها بابتسامة عريضة: ـ يبدو أنك قد أتعبك البحث عن كتاب ما، ستجدين هنا كل ما يخطر ببالك وما لم يخطر، وفي شتى المجالات اقتصاد وسياسة واجتماع وطب وفلك وعلوم وشتى أنواع الثقافة والأدب، إضافة الى جميع الكتب الدينية والمذاهب العقائدية وما شرح وألف على أساسها..
تنهدت عميقاً وزفرت زفرت محرقة ثم قالت: ـ أنا ابحث عن عمل، لقد ابيضت عيناي، وكلت ساقاي، وأنهكت قواي وأنا غريبة في هذه البلاد التي أحببتها لكثرة ما قرأت عنها وشغفني تأريخها الأدبي لاسيما انني أتذوق الأدب بشدة، انه يسري كالدم في عروقي أعشقه قراءة وكتابة..
ـ إذا فقد وجدت ما كنت أتمناها..
قالها بفرح شديد.. وأضاف: ـ تفضلي بالجلوس دعينا نشرب شيئاً ونتحدث في الأمر..
عرف منها انها بنت فقيرة جاوزت العقد الثالث من عمرها بسنوات، رحل والداها عن الدنيا ولم يعد لها من يتفقدها، ولكثرت ما قرأت عن بلاد الأندلس وأدبائها تمنت لو أنها ولدت وعاشت فيها.. لذا قررت المجيء لتعيش بين أهليها وتكون واحدة منهم.. وهي الآن تعاني من ضائقة مادية خانقة.. أخرج أوراقاً نقدية، قدمها اليها قائلاً: ضعي هذا المبلغ معك وإذا احتجت المزيد سوف أعطيك، ويمكنك مباشرة عملك منذ الآن أو غداً صباحاً إن كنت متعبة..
تنفست الصعداء، وقالت بارتياح: لا أعرف كيف أشكرك.. وهل تكفي كلمة الشكر لطيبتك وإحسانك..
وبعد ان زال عنها ما كان يثقل كاهلها ونفسها قالت بفرح شديد: سوف تثبت لك الأيام مدى إخلاصي في عملي..
*****
وهكذا باشرت عملها تخرج كل صباح مفعمة بالسعادة والأمل في مستقبل سعيد تصافح اشراقة ابتسامتها خيوط الشمس الذهبية، واثناء النهار تقضي ساعات رائعة في تعاملها مع الزبائن.. لكنها تشعر بمضايقة صاحب المكتبة لها حين يجدها في خلوة داخل المكتبة، يحتضنها مثلاً أو يقبلها الأمر الذي يبعث الخوف في نفسها فترجوه ان لا يصل المزاح الى هذا الحد المخيف.. لذا تتفجر دموعها وهي تردد مع نفسها: إني وحيدة غربية أخشى ان تداس كرامتي ويضيع شرفي.. هل كثير عليّ ان اكون زوجة تعيش باحترام وكرامة في المجتمع..؟
رأت اليوم قلة تردد الزبائن على المكتبة فكرت بالصعود الطابق العلوي لتشغل وقتها بتنظيف الكتب من الغبار وتعيد ترتيبها.. وبينما هي كذلك أغلق باب المكتبة وأسدل ستاراً على زجاجها.. وصعد قاصداً إياها.. ما لبث حتى وجدت نفسها بين ذراعيه وبشكل يختلف عما سبقه، تملكها الخوف وهي تحاول التخلص بين يديه، ضمها اليه بشدة.. وبفزع راحت تتوسل اليه وهي تذرف الدموع بغزارة ولكن من دون فائدة وهو يحاول تعريتها لاغتصابها، تعالى صراخها استعملت اضفارها ملأت وجهه خدوشاً فزاده الأمر عنفاً عليها.. خارت قواها شعرت بحالة اغماء تعتريها خيل اليها بانها صارت مثل دجاجة أدخلت الى الفرن بعد تخلل جوفها قضيب حديدي فبدأ تتنزف سمنها قطرات قطرات.. ما ان فتحت عينيها محدقة في رفوف الكتب من حولها حتى خرق مسامعها صوته مزمجراً بغضب شديد: أخرجي من هنا فوراً، لا أريد أن وجهك مطلقاً، كان طلبي آنسة مثقفة وأنت جاهلة متخلفة..
تحاملت على نفسها.. خرجت مختنقة بعبراتها وهي تستنجد بالناس من حولها، لكن لا أحد يلتفت إليها وكلما اقتربت من شخص ابتعد عنها.. فصرخت بأعلى صوتها: يا أهل بلاد الأندلس، مظلومة تشكي لكم حالها اسمعوني أرجوكم..
انسابت كلماتهم الى مسامعها: مجنونة.. مجنونة.. انها مجنونة.. لا أحد ينظر اليها.. لا أحد يسمعها حتى تصمت وتذهب لسبيلها..
*****
أستل الليل ستاره.. تضاءلت حركة الطريق شيئاً فشيئاً.. بدأ أصحاب المحال والمتاجر يغلقون ابواب محالهم.. وهكذا حتى توقف كل شيء عن الحركة وعم السكون.. غط الجميع في نوم عميق إلا هي تقف وحيدة في شرفتها تتأمل الظلام الذي صار يخفي معالم المدينة والدموع تحفر اخاديداً على وجنتيها حتى بدتا بلون الدم.. زفراتها كسموم الصحراء في عز الصيف، وتنهداتها شهقات من يغرق وحيداً وسط لجة البحر..