ضمن منشورات جمعية القبس للسينما والثقافة بالرشيدية ، صدر مؤخرا كتاب سينمائي مغربي جماعي جديد بعنوان ” سينما حكيم بلعباس : اللامفكر فيه وهوية الإختلاف ” ، هو في الأصل تجميع لأشغال ندوة نظمت سنة 2013 في إطار الدورة الثامنة لمهرجان الرشيدية السينمائي حول التجربة السينمائية لحكيم بلعباس .
شارك في تحرير مواد هذا الكتاب ، بالإضافة إلى الجامعي حميد اتباتو الذي أشرف على إعداده والتنسيق بين مواده ، ثلة من النقاد والباحثين والأساتذة الجامعيين هم تباعا محمد اشويكة وسعيد كريمي ومحمد زروال وسعيد شملال وعبد المجيد البركاوي (في القسم العربي) ومولاي إدريس الجعيدي وبوشتى فرقزيد (في القسم الفرنسي) .
وإلى جانب مداخلات هؤلاء الأساتذة أنجز الصحافي والباحث الفني حميد اتباتو حوارا مستفيضا مع بلعباس وكتب مقدمة للكتاب هذا نصها :
“إصدار كتاب عن تجربة حكيم بلعباس السينمائية، فكرة رافقتنا منذ مدة، وكان سياق طرحها هو انطلاق مهرجان الرشيدية السينمائي في صيغته الأولى، في أول دورة خصصناها لمحور الواقعي والمتخيل في السينما، واستضافت المخرج الذي لم يكن قد راكم كل هذه الأفلام بعد، لكن ما كان قد أخرجه من أفلام كان كافيا لتوضيح خصوصية إبداعيته، واختلاف أسلوبه الفني، وعمق انشغاله باللامرئي والمهمش، ومسعاه الحثيث نحو إرباك الحدود بين الواقعي وبين المتخيل، وبين الروائي وبين الوثائقي، وصدم صنمية يقينيات الاشتغال السينمائي بالمغرب. خانتنا الشجاعة في الأصل للمبادرة بإنجاز الفكرة، وحكمنا الارتياب من عدم توفير إمكانيات إنجاحها بالشكل الذي كنا نفكر فيه، لكننا اعتبرنا تأجيلها مسألة ضرورية في انتظار إنجاح استنبات التظاهرة، والاطمئنان على استمراريتها باعتبارها تظاهرة خاصة بالسينما الأخرى، الممهورة بالاختلاف والإبداعية الخلاقة، وما يفيد التحيين الفاعل لمشروع السينما الوطنية.
تأسيس هوية ثقافية للتظاهرة، وإنجاح الرهان دفعنا لتأجيل فكرة الكتاب، وبقي ذلك من صميم مسؤوليات من كان يرتبط بها، وحين تحققت فكرة إصدار أعمال ندوات الدورات اللاحقة التي تمحورت حول تجارب رائدة من قبيل تجارب داود أولاد السيد، ومومن السميحي، وأحمد المعنوني، وعبد الرحمان التازي، ثم تجربة الراحل أحمد البوعناني التي غادرناها لاعتبارات لا مجال لذكرها الآن، لنعود مرة أخرى لطرح ضرورة إصدار الكتاب المؤجل عن تجربة حكيم، وهو ما تم تأجيله لظهور أسباب موضوعية، وسوء فهم بصدد أشياء عديدة ترتبط بالتظاهرة، لنعود مع تجربة سعد الشرايبي ونقرر، بعد إنجاحها من طرف جمعية القبس والجماعة الخلاقة التي ارتبطت بمهرجانها وبأساسه الثقافي، خاصة الندوة والكتاب، لتخصيص دورة جديدة لحكيم بلعباس، كان ذلك بعد تأجيل الاشتغال على تجربة بهية في السينما المغربية لم نعد إليها لحدود الآن، وهي من صميم وعود جمعية القبس والجماعة المرتبطة بتظاهرتها.
مرت الدورة بنجاح وتوفرت مادة الكتاب، وبرزت عوامل استدعت من المسؤولين عن الجمعية التوقف لبعض الوقت لأخذ النفس والتفكير في ما يجدد التجربة، وبذلك تأجلت فكرة الإصدار لتبرز أولوية وشرطا ضروريا في استئناف دورات المهرجان في موسم2017، وهو ما احتاج إلى الكثير من الجهد والإصرار من الجميع ليصير واقعا.
مرت سنوات من التفكير الأول في الفكرة إلى تنفيذها الآن، وتم إصدار أكثر من عمل حول تجربة المخرج حكيم بلعباس، الذي راكم أفلاما هامة احتفت بها المهرجانات والنقد، وتحقق الأساسي الذي كان يعنينا وهو الاعتراف بقيمة السينما الأخرى التي منها سينما المخرج حكيم بلعباس، ليكون إصدار كتاب «سينما حكيم بلعباس: اللامفكر فيه وهوية الاختلاف» بطعم آخر بالضرورة، الأساسي فيه أنه حقق الوعد، وأكد الوفاء للالتزامات، كما أكد سهر مجموع المرتبطين بفكرة التظاهرة والإصدار على المساهمة بكل ما ينجحهما خدمة لسينما الاختلاف، ودعما لمجهودات جمعيات وأبناء الجغرافيا المنسية من أجل تأصيل الاهتمام الفاعل بالسينما، متعة وثقافة وعلاقة من صميم الاحتياجات الاستعجالية لشرطنا الاجتماعي والتاريخي.
يجمع الكتاب إسهامات نقاد وباحثين رافقوا التجربة هم مولاي ادريس الجعيدي، ومحمد اشويكة، وبوشتى فرقزيد، وسعيد شملال، ومحمد زروال، وسعيد كريمي، وعبد المجيد البركاوي، وحميد اتباتو تدارسوا أوجه اللامفكر فيه وأسئلة الهوية والاختلاف في أعمال حكيم بلعباس، حيث وضحوا مواصفات إبداعية حكيم، وبينوا أهم انشغالاته، ورصدوا ما يعد تميزا في الأسلوب والاشتغال الجمالي لديه. شكلت أغلب أعماله متـنا للدراسة والتحليل حيث تم الوقوف على أفلام »عش في القيظ«، و»خيط الروح«، و»حرفة بوك حيت غلبوك«، و»أشلاء«، و»شي غادي وشي جاي«، و»شاهد«، و»همسات«، و»الرما«، و»ثقل الظل«، و»محاولة فاشلة في تعريف الحب«، و»علاش آلبحر؟«، و»وجوه«، و»أُوذْماون «… كما تمت الإشارة إلى عمله الأخير» عرق الشتا«.
ما انشغلت به دراسات الكتاب هو من صميم الاشتغال المركزي في تجربة حكيم بلعباس السينمائية بما في ذلك البعد الإثنوغرافي، وما هو أسطوري أو شعائري، وما يرتبط بالفرجات المغربية، والمكان، والعوالم المنسية، والمهمل الجمالي، وأوجه الانتساب لسينما الفقير، ومكونات القارة الثقافية المطمورة، ومحكيات الموت والمأساوي والاحتفالي، والبؤس العام… وكل ما يصوغ التميز في مكونات التجربة. إضافة إلى الدراسات، آثرنا إدراج حوار طويل مع المخرج لتوسيع الإفادة أكثر، وتمكين المهتم بالتجربة من الاطلاع على ما يبني نوعية الوعي السينمائي المؤطر لاشتغال حكيم، وما يشكل مرجعية لها، والأهم المساعدة على التقرب من أهم الأسئلة التي ينشغل بها المخرج، ومن يعنى بتجربته.
لقد شكل حكيم بلعباس تجربته بناء وعي مختلف وفاعل يعنى بتجريب صيغ مقلقة للسائد والنمطي، واقتراح ما يسائل الجاهز والمألوف، وما يفجر الحدود واليقينيات. تجربة بلعباس مغامرة إبداعية لها رهاناتها الخاصة، ولها مرجعياتها، والأهم أن لها من يناصرها من جمهور السينما والنقد. جمهور لم يتحمس لها تجاوبا مع منطق التمجيد المجاني، بل مسايرة لقناعة دعم الإبدالات المتجددة المندرجة داخلها، والتي ترهن إبداعية الإبداع السينمائي للاقتراح الجمالي والموقف الفكري المخلخلين لسكون الوعي، ونمطية الموقف من العالم داخل الممارسة السينمائية وخارجها. يقرأ الكتاب تجربة حكيم بلعباس من مداخل متنوعة تسمح بتوضيح خصوصيتها، وإبراز ما يجعل منها إضافة نوعية لمشروع السينما المغربية المختلف.” .
تجدر الإشارة في الأخير إلى أن كتاب ” سينما حكيم بلعباس : اللامفكر فيه وهوية الاختلاف ” صادر عن ” نيت للطباعة ” بورزازات بتاريخ 2017 في 172 صفحة من الحجم المتوسط .
أ.س.