جدد البلاغي المغربي الدكتور محمد مشبال سعادته بعد تتوجيه بجائزة الشيخ زايد للكتاب لهذه السنة، عن كتابه “في بلاغة الحجاج”. وأشار مشبال إلى أن فوزه بالجائزة جعله ينظر إلى كتابه على أنه مقدمة أخرى جديدة لمشروعه البلاغي، تحفزه على تجديد مفهوماته وآلياته سعيا في تحقيق طموحه المعرفي المتعلق بكتابة “منجز بلاغي دقيق، يمكن أن يمثل معرفة تضاهي ما يقدمه الغربيون من كتابات ما زلنا للأسف الشديد لا نستطيع مطاولتها”.
جاء ذلك في حفل تقديم وتوقيع كتاب “في بلاغة الحجاج”، الذي أقامته دار الشعر بتطوان في فضاء المكتبة العامة والمحفوظات، ليلة الجمعة 8 يونيو الجاري، وحضره أزيد من مائة من الجامعيين والباحثين وجمهور دار الشعر بتطوان.
في البداية، قدم الناقد والسيميائي المغربي نزار التجديتي كتاب محمد مشبال، معتبرا أن هذا الكتاب قد فاز بجائزة الشيخ زايد عن جدارة، إذ هو كتاب “واضح المعنى، جلي الدلالة على مقصود مؤلفه”. ويرى الدكتور التجديتي أن الكتاب يحيلنا منذ عنوانه “في بلاغة الحجاج” على “مشروع بلاغي بديل للمشاريع البلاغية العربية المطروحة في مجال الحجاج بمفهومه الواسع، الذي يعني الوسائل والسبل التي يستثمرها النص لإقناع سامعه ومتلقيه”. وهو ما جعل من الكتاب في نظر التجديتي “مساهمة طموحة في الحجاج النصي، كما يتجلى في دائرة الخطاب الإنساني”. ويضيف المتدخل أن كتاب مشبال إنما يواجه سؤالا عسيرا، ويجتهد بخبرة علمية هائلة وتراكم بلاغي ونقدي، ويتمثل السؤال في “كيف نجعل من البلاغة منهجا لا يقل فعالية إجرائية ودقة مفهومية عن مناهج تحليل الخطاب الجديدة؟”. من هنا، جاء الكتاب، بتوصيف التجديتي، بمثابة “ثمرة مسح شامل للبلاغة العربية والغربية، سواء من أصولها القرآنية والشعرية والنقدية، أو من أصولها الخطابية اليونانية”.
بعدها، استعرض المتدخل تطور الدرس البلاغي عند محمد مشبال من التحليل البلاغي للشعر إلى تحليل الحجاج في الخطاب، عبر مقاربة بلاغية حجاجية لتحليل الخطابات وتأثيرها في المتلقي. وذهب المتدخل إلى أن الدكتور مشبال قد اقترح علينا صيغة جديدة لتمثل البلاغة الجديدة، التي دعا إليها البلاغي البلجيكي شايم بيرلمان، منذ خمسينيات القرن الماضي، وهي صيغة قابلة للتطوير على ضوء أحدث مناهج تحليل الخطاب.
وخلص التجديتي إلى أن كتاب محمد مشبال استطاع تمكين الدرس البلاغي المعاصر من أدق الاصطلاحات والمفاهيم الحجاجية الجديدة في الدرس البلاغي الغربي، مع تأصيل هذه الاصطلاحات والمفاهيم في تحليل النصوص الأدبية وغير الأدبية. ويرى التجديتي أن مشبال إنما انطلق في التصور والأجرأة من النصوص المحللة في تنوعها الكبير، وعدم الركون إلى التوصيفات المفهومية والقواعد النظرية الجاهزة. كما أن مشبال لم يقم بنقل البلاغة الجديدة لشايم بيرلمان كما هي، وإنما عرّضها للنقد، وهو يقف عند “قصور هذه البلاغة الجديدة عن التعامل مع النصوص والخطابات، بتركيزها على اللوغوس الخطابي”، أي حجج الخطاب، دون استحضار قيم المتكلم وأهواء المتلقي وانفعالاته.
وفي الأخير، يختم التجديتي، فقد دشنت البلاغة الحجاجية مع محمد مشبال عودة إلى الاحتكاك بباقي العلوم الإنسانية والاستفادة من استنتاجاتها بخصوص مختلف مظاهر النشاط الإنساني في سياقه التواصلي.
ثم تحدث البلاغي محمد مشبال عن تجربته مع كتاب “في بلاغة الحجاج”، معتبرا أنه كان معنيا، في المقام الأول، بإخراج الدرس البلاغي السائد من بعده التعليمي وجموده الفكري والمعرفي إلى آفاق نظر يرتكز على أسئلة جديدة، من قبيل ما إذا كانت البلاغة العربية بلاغة عامة تستوعب كافة أجناس الخطاب، أم أنها ارتهنت إلى جنس معين هيمن على إنتاجها هو الشعر؟ وهو سؤال جديد في حقل التفكير البلاغي سوف تتولد عنه أسئلة جديدة، من قبيل: كيف يمكننا إنشاء بلاغات نوعية خاصة بمختلف أنماط الخطاب وأجناسه وأنواعه؟ وهل لقوائم البلاغة حدود؟ وكيف يمكن توسيع قوائم الوجوه البلاغية التي حددها البلاغيون العرب وغيرهم؟ ثم هل البلاغة مجرد مجموعة من التقنيات والقواعد المجردة، ليس لها أن تسعفنا في مقاربة وتحليل النص وتأويله، بمعنى أن المقاربة البلاغية في النهاية هي مقاربة تفتيتية وجزئية، ولا يمكنها أن تكون مقاربة كلية، كما يريد لها الباحث في مشروعه البلاغي.
وإذ يستوعب كتاب مشبال هذه الأسئلة التي أثارها في كتبه السابقة، فإنه يتميز عنها بأمرين اثنين، أولهما أنه كتاب نظري يرسي أسس مقاربة حجاجية للخطابات، وثانيها أنه كتاب خاص بالحجاج، أو بالوظيفة الإقناعية في الخطاب، مقابل الوظيفة الجمالية، “إلا إذا كانت خادمة للوظيفة الأولى وتابعة لها”، يختم البلاغي المغربي محمد مشبال.
طنجة الأدبية