احتضن رواق المركز الثقافي الفرنسي بالعاصمة الرباط يوم الاربعاء الماضي حفل افتتاح معرض الفنان التشكيلي المغربي محمد مكوار الذي تضمن مجموعة من لوحاته الجديدة التي أثارت اهتمام ودهشة واستمتاع الجمهور الذي حضر الحفل ونخبة من المهتمين وعشاق الفن التشكيلي.
إن المتأمل في أعمال الفنان محمد مكوار يجد صعوبة في تصنيفها وتحديد التيار الذي ينتمي إليه، فتعدد الأساليب والمشاهد قد تدل أحيانا على فوضوية الفنان وعبثه، وأحيانا أخرى تدل على دقة الالتقاط وقدرة اليد على مجاراتها، فالمفهوم عنده أرقى من أن يحصر داخل أسلوب تقني واحد ومُوَحَّد، بل إنه يعتمد في الأساس على تجاوز التصور التقليدي للتصنيفات المرحلية والتاريخية للإنتاج الفني.
هناك ثلاثة اعتبارات تميز أعمال الفنان مكوار بصورة أساسية: الترتيب الهندسي للجسد، المرح اللوني، والتعبير عن الشعور الديني، بل إنه بدلا من استعمال الألوان الواضحة والمحددة برسم سابق نراه يستخدم تكوينات لونية يتباين ما بينها وبين سائر الألوان، يشبه التعبير الميمي المتميز بهيكله ومضمونه المعروف.
يستمتع الفنان مكوار بالمادة المرسومة، بعملية الإبداع في حد ذاتها، أما النتيجة فهي ملك للجميع، فهو يسعى لبناء خطاب فني حول قيم أخلاقية، كقيمتي الخير والشر، وعلى الرغم من أن التشكيل ممارسة مادية ملموسة فإنه لم يفتأ يسعى إلى امتلاك روحانية الكلمة وإعادة صياغة فحواها وأبعادها، حتى إنه يحلم بأن يحفر أثره في الزمن، فالمفاهيم المعاصرة لا تتوافق مع ما يعتقد أو بالأحرى ما يطلب، ولهذا نجده يكتب ويُقَطِّع وكأن الحروف وهي تتطاير انطلاقا من منبتها تتعالى في كل الجهات عن وجهة معانيها المحتملة، بحيث إنها تتلاشى في الشتات والتشابك إلى حد التيهان، فيلصقها ببعضها ويحاول ترتيبها داخل أجساد أو تكتلات صغيرة فكبيرة مكونة وحدة ذاتية مع أشكال شبه بشرية، يجردها من مفهومها، وينذرها للفراغ ولروعتها الجسمانية.
والحرف أحيانا يتحول في بعض لوحاته إلى كلمة ذات بعد صوفي وأحيانا أخرى لا يتبقى غير شبح الحرف، وكأنه شعاع من النسيان وكأنه يبحث عن التيه في التكرار، ليجد متعته فيما يعاد تشكيله، بطريقة مختلفة تعطيه حرية أكثر، ليطرح كل مقارباته حول أي مفهوم يستأثر باهتمامه ويفرض عليه اختيار أساليب محددة ولو كانت مختلفة بمحاذاة بعضها بعضا ولو في التجربة الواحدة، أو السياق الواحد.
طنجة الأدبية