رغم انشغلنا بالحياة واستغراقنا بتفاصيلها الموجعة في كثيرٍ من الاحيان والضنينةٌ بالفرح المغموس بالوجع والالم والحزن .
لجراحاتٍ قد اندما بعض منها تاركا اثرا كشرخٍ في جدارٍ قديم يروم ان يّنهار وانيابا لحيواناتٍ مجهولةٍ غُرستْ في زمن ما, قد ننسى التفاصيل الدقيقة وتتلاشى مثل دوائر صنعتها حجارة في ماء ساكن وتبقى الكبيرة منها المؤثرة كمساميرٍ معقوفةٍ في ابواب خشبية بالية عندما مررتُ في بوابة الكلية التي امضيت فيها اربع سنواتٍ حين اصر َرجلٌ متعب مُنكسر مَهمومٌ من الحاجةِ والفقر ان اكمل دراستي التقيت بزملاءِ من مدن شتى مختلفين بكل شيء الا الهدف.
مزيج من اهاتٍ وزفراتٍ ملتهبةً يقذفها صدري تغيرت البوابة وتغير اسم الكليةِ وتحول ما حولها وامامها.
فتحولت (كافتيريا)ابو مصطفى او ما يدعى بالفلسطيني حين كنا نلتقي لتناول (السندويش ) الممتلئ بسلاطات الخضار الممزوج بطحينة ِ السمسم والليمون ونتهرب من دفع الحساب ليقع على آخرْ المتواجدين الى مكتبة صغيرة للقرطاسيةِ والهدايا التي تملئ زجاجاتها الامامية.
تغير الشارع بانحناءاته وسكينته وامتلئ الرصيف على جانبيه بأكشاك تعرضُ بضاعات مختلفة تتنوع بين القرطاسية والاكلات السريعة والهدايا والتلفونات هناك وقف شرطيان يفتشان الداخلين .
بدا شريط سينمائي يدور بكرته حين وقفتُ قبل سبعة وثلاثون عاما في هذا المتر المربع لسببٍ عُسرَ على ذاكرتي تذكره وجهدتُ ان اقف في نفس المربع في مشهدٍ ترتسم فيه ابتسامة ساخرة تُحبسُ بين الشفاه حين توقفت سيارة (الفيات) البيضاء التي يقودها رجل اربعيني العمر تجلس جنبه في المِقعد الامامي امرأةً تقاربه العمر.
لتترجل منها فتاة تناثرت خصلات شعرها الكستنائي لتغطي وجهها وراحت تزيحها بيد بلورية تكشف عن عينين زرقاويتين ووجنات بلون التفاح الاحمر.
كانت ترتدِ زيا جامعيا امتزج لونه الابيض ببياض بشرتها. تسمرتُ في المكان مذهولا وكأني انسان غابة يرى المرأة لأول مرةٍ. تابعت نظراتي خطواتها المتمايلة كأوزةٍ مهاجرة تستطلع المكان اول مرةٍ. سرتُ منقادا خلفها مثل قطعة حديد صغيرة لمغناطيس . كانت مناداة زملائي تكسر ذهولي فبادرني احدهم انها طالبة سنة اولى في نفس القسم الذي ادرس فيه. بدأت اخطط بمراجعة جدول المحاضرات وفراغاته وجمعت معلومات عنها. واشتغل زملائي المقربين مخبرين لتحركاتها. قرأت قصيدة غزلٍ في حفل الاستقبال الذي اقامه القسم للطلبة الجدد كانت كلماتي وحواراتي لها. كنت احضر قبل حضورها بنصف ساعةٍ لاشبع ناظريَّ انتظرت في الرواق لألقي عليها تحيةً لترُدَ عليها فاُحلق بأجنحة من الخَيال افتعل المصادفته لأُحيها كل مرةٍ.
فقررت ان اكون اكثر جرأت وابوح لها بمشاعري انتظرت خروجها من المعمل بعد الظهر في دائرةٍ اكون مركزها او نقطة في محيطها يتصبب العرق من كل انحاء جسمي رغم برودة الجو واعيد كلماتي كمجنون يردد ما علق بذهنه.
بادرتها التحية طفلٌ يتعلم نطق الكلمات ردت تحيتي مَها ،،،اود محادثتك على انفراد انا لستُ مَها.
انا نَدى : وبعصبية انسَحَبَتْ تاركةً كومة لحمٍ انشلَ كل جزء فيها توقف الزمن لأرى نفسيَّ اصغر من حبة رز في صحنٍ كبير اطعم الاموات من صرخات داخلي تصارع ان تهز اوراق الخريف رغم اشتداد الريح. واصنع لسفنٍ تُبحرَ في ارضٍ قاحلة امواجا. ركلتُ ذلك المتر المربع برجليَّ وعبرتُ الشارع باتجاه كافتيريا ابو مصطفى
لأجد بابها قد أُغلقَ.