كانت غرفة جدتي هي الأخيرة في صف غرف بيت الجد . ينفتح ما أمامها في فضاء تتبادل فيه الشمس نهارا والقمر والنجوم ليلا أدوارها . كان مُلتصقا ببيت أخيه عم أبي . ولا أتذكر متى ُفصِلَ البيتان بجدار سَهل العبور علينا . لنتبارى في تسلق النخلة التي تتوسط حوشه. في هذه الغرفه التي يجتمع الكل فيها عند أوقات الطعام والسمر . ذات الرائحة الممزوجة بين رائحة العرق والصوف والافرشة البالية . بََْنتْ طيور السنونو التي تشاركنا المكان والدفئ خريفِ وشتاءِ كل عام . كأنها أحدنا عشان لها بدقةٍ و عمارةٍ رائعه بين الاعمدة الخشبية وحصيرة القصب تاركةً فتحات صغيرة للدخول والخروج. كانت جدتي تقطع أرغفة الخبز الذي تتصاعد منها أبخرة الشواء ونكهة الخميرة المحمضة وكنا متصبرين لجوع بأفواه يسيل منها اللعاب . متى تصب عليها السوب(المرق) نتزاحم ويدفع بعضنا البعض . حتى صرخ أحدنا افعى ،،افعى في السقف . لينفلت الخيط ونهرب مذعورين في حركة وصرخة نادت جدتي على الرجال في الغرفة المجاورة . هرع الأعمام و حمل أحدهم (المسحاة) ليقطع الأفعى التي التهمت صغار السنونو إلى قطع صغيرة . جلست جدتي واضعة رأسها بين كفيها متجهمة، متشائمة ،ورددت مع نفسها أنه نذير شؤم . دارت طيور السنونو التي عادت دورتها في سقف الغرفة وحول الأعشاش وارتحلت. في نهاية العام مات جدي .. وحل الشتاء مبكراً بالبكاء ولكن طيور السنونو لم تعد.
فاضل العباس-العراق