كنت عائدا من عملي مساء يوم من أيام تبدو لي الآن بعيدة إلى حد ما، كنت أجر نفسي كما لو أنني انفصلت عني، أدفعني خطوة خطوة باتجاه محطة الحافلة. المحطة لا علامة لها سواء وقوف مجموعة من الناس رجال، نساء، تلاميذ و تلميذات. بعد وقت ليس بالقصير بدت الحافلة قادمة مخلفة وراءها زوبعة من الغبار. حينما اقتربت بدأ الجميع يتسابق من أجل الصعود. كم يحلو لي أن أتأمل هؤلاء الناس الذين أدمنوا التسابق من أجل الصعود على الرغم من توفر أماكن الجلوس و على الرغم من قلة عدد الراكبين. كنت من بين أواخر الصاعدين، أخذت مكاني، أديت واجب التذكرة ثم انطلقت الحافلة تتهادى بنا، تجرجرنا متعبة مثقلة بالهموم و المشاغل وسط طرق مغبرة و نصف معبدة. لحظة و عند انعطافة، سمعنا صراخا يحمل شتائم و سباب أوقف السائق الحافلة كي يستفسر عن سبب هذه الشتائم التي بدت لي مجانية و تخفي عداوة أكثر مما تخفي احتجاجا. و إذ فتح الباب الأمامي للحافلة صعد مجموعة من الشبان يريدون العراك مع السائق. لم أفهم ما يحدث، اعتقدت أنهم مجموعة من المشاغبين الذين يعرقلون الطريق، لكن حينما رأيتهم يصعدون إلى الحافلة حاملين دراجة وقد أصيبت عجلتها الأمامية باعوجاج، حينما رأيت كل هذه العربدة و الصعلكة فهمت أن السائق أصاب الدراجة بعطب و أن صاحبها و أصدقاؤه يجبرونه على إصلاحها. أصيب جميع الركاب بهستيريا الضحك خصوصا حينما لاحظوا أن السائق عوض أن يسلك الطريق المعتاد صار يلف بنا وسط الأزقة و الأحياء بحثا عن دكان لإصلاح الدراجات. كان حينما يعثر على واحد يوقف الحافلة ثم ينزل رفقة أولئك الشبان لكي يفاوض في ثمن إصلاح الدراجة، كنا نراه من خلف زجاج النافذة يساوم و يناقش و العرق باد على وجهه الأسمر. مررنا على اكثر من دكان و في الأخير و بعد أن بدأ صبر الجميع:راكبين و أصحاب الدراجة ينفذ اضطر السائق الاستجابة و الموافقة على دفع ثمن الإصلاح الذي لم يكن يتجاوز خمسين درهما. كنا جميعا تحت رحمة مجموعة من المشاغبين المختطفين الذين غيروا اتجاه الحافلة بحثا عن دكان لإصلاح الدراجة. و بعد أن استجاب السائق لمطالبهم أطلقوا صراحنا و تركوا الحافلة تشق طريقها الصحيح نحو مساككننا التي ماتزال بعيدة و قد خيم الظلام على أطراف المدينة.
عزيز القاديلي