بمناسبة تكريم المخرج عز العرب العلوي لمحارزي ، في حفل افتتاح الدورة 19 لمهرجان سيدي قاسم للفيلم المغربي القصير مساء الخميس 3 ماي 2018 بالقاعة الكبرى لبلدية المدينة ، أعد الناقد السينمائي أحمد سيجلماسي الورقة التالية :
عز العرب العلوي : مخرج متعدد العطاءات .
هذا المبدع السينمائي والتلفزيوني ورئيس شعبة الإخراج بالمعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما بالرباط ، ورئيس مركز الدراسات والأبحاث السينمائية ، والقادم من إقليم الرشيدية إلى فاس ، حيث تابع دراساته الجامعية ، والمستقر حاليا بالرباط ، بحكم عمله الأكاديمي ، اجتمع فيه ما تفرق في غيره : فهو مخرج ومنتج وكاتب سيناريو وأستاذ جامعي وباحث وصحافي وناقد سينمائي ومؤطر ورشات تكوينية في السينما وثقافتها…
انطلق ولعه بالسينما في منتصف ثمانينات القرن الماضي عندما كان تلميذا بثانوية سجلماسة بمدينة الرشيدية ، عاصمة تافيلالت ، حيث انخرط من خلال نادي النخيل بها في حركة الأندية السينمائية التي كانت جد نشيطة آنذاك وتلقى أبجديات اللغة السينمائية عبر مشاهدة ومناقشة نماذج منتقاة من روائع السينما العالمية . وأخرج سنة 1986 أول عمل له صحبة زملائه في الثانوية بكاميرا فيديو تحت عنوان ” أنقذوني ” . وظل مرتبطا بالأندية السينمائية طيلة مساره الجامعي ، كطالب ، سواء بفاس أو غيرها من المدن المغربية ، أو بعد أن أصبح ممارسا للإبداع السينمائي كسيناريست ومخرج أو مدرسا للسينما والسمعي البصري بمعاهد الرباط المتخصصة وغيرها .
ولا يمكن لحركة الأندية السينمائية بالمغرب أن تنسى ما قدمه هذا السينفيلي لها من خدمات حين عين مستشارا مكلفا بالإعلام والتواصل بديوان وزير التعليم الثانوي الدكتور عبد الله ساعف من 1997 إلى 2001 ، حيث أشرف بمعية أطر ” جواسم ” (الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب) على إحداث عدد كبير من النوادي السينمائية بمختلف ثانويات المغرب في تجربة رائدة وفريدة من نوعها .
لم يكن عز العرب العلوي متسرعا أو حارقا للمراحل ، كما هو شأن بعض شباب اليوم ، بل قضى وقتا طويلا في التعلم الذاتي داخل المغرب وخارجه ، خاصة في فرنسا حيث درس فنون المونطاج أولا سنة 1998 أولاحقا بكندا حيث تلقى دروسا في الإخراج سنة 2004 ، واستفاذ سابقا من الممارسة الميدانية إلى جانب مخرجين كبار كمحمد عبد الرحمان التازي (في فيلم ” البحث عن زوج امراتي “) سنة 1990 والجيلالي فرحاتي (في فيلم ” خيول الحظ “) سنة 1994 وغيرهما ، وظل مواكبا بالمشاهدة والمناقشة لجديد السينما الوطنية والدولية وقارئا للمجلات المتخصصة والكتب المرجعية والأساسية في الثقافة السينمائية وحاضرا في مختلف التظاهرات السينمائية المنظمة داخل المغرب وخارجه ، حيث يعتبر من بين المؤسسين الأوائل ل ” اتحاد نقاد السينما بالمغرب ” ثم بعده ” جمعية نقاد السينما بالمغرب ” ، التي لا يزال عضوا فيها إلى الآن . اشتغل في التلفزيون المغربي (القناة الأولى خاصة) منذ سنة 1997 حيث كان معدا ومنسقا لبرنامج ” الثانويات العتيقة بالمغرب ” ثم بعده سلسلة ” التلاميذ المميزين ” . كما قام بإخراج أول سلسلة وثائقية مكونة من 26 حلقة لفائدة قناتنا الأولى حول أشهر الأعلام الذين زاروا المغرب كأورسون ويلز وشارلي شابلن ومصطفى العقاد وجاك بريل …
وعندما استأنس في نفسه نضجا فنيا وفكريا مقبولا غامر بإخراج أفلامه السينمائية القصيرة الأولى : ” بيدوزا ” (2004) و” جزيرة يوم ما ” (2005) و ” موعد في وليلي ” (2006) و” حبات الأرز ” (2007) و ” إزوران ” (2008) و ” الأعمى والغجرية ” (2011) ، كما استثمر ما راكمه من خبرات ومعرفة نظرية وميدانية في إعداد وإخراج أفلام وثائقية مستقلة ك ” الخيط والإبرة ” و ” زحف الإسفلت ” و ” محمد عبد الكريم الخطابي ” … وقد بشرت هذه الأعمال السينمائية والتلفزيونية والوثائقية الأولى بالملموس بقدوم مخرج له رؤيته الخاصة وأسلوبه الخاص في التعاطي مع المواضيع التي يختارها . فبعد فيلمه السينمائي القصير ” إزوران ” ، الذي حصد العديد من الجوائز ، وفيلمه الجميل الناطق بالعربية الفصحى ” الأعمى والغجرية ” ، الذي لم يعرض بشكل رسمي لحد الآن ، جاء فيلمه السينمائي الطويل الأول ” أندرومان … من دم وفحم ” (2012) ليحصد بدوره مجموعة من الجوائز هنا وهناك قدرت ب23 جائزة وطنية ودولية ، كما تمتعنا مؤخرا بمشاهدة فيلمه الروائي الطويل الجديد ” كيليكيس .. دوار البوم ” (2018) ، الذي لم ينزل بعد إلى القاعات السينمائية الوطنية .
وبعد البرامج التلفزيونية المختلفة التي شارك في إبداعها في بداياته الأولى ، أخرج عز العرب مجموعة من الأفلام الروائية الطويلة للتلفزيون المغربي ك “مسحوق الشيطان” (2008) و”الرقاص” (2010) و”بيت من زجاج” (2011) … ، كما أخرج أفلاما وثائقية لقناة الجزيرة حول شخصيات مغربية وازنة كالمفكر محمد عابد الجابري والمناضل السياسي عمر بنجلون وعالم المستقبليات المهدي المنجرة وأب السينما المغربية محمد عصفور والعلامة المكي الناصري وغيرها من الأفلام الإبداعية الأخرى ك “سيدات السجاد” و”كناوة وموسيقى العبد” و”السيد المهان” و”الغزو الجديد” و”الحلقة جسر المتوسط” … وقد خلفت جل هذه الأفلام أصداء طيبة في أوساط النقاد والمثقفين والجمهور العام .
الجميل في شخصية الدكتور عز العرب العلوي لمحارزي أن صدره رحب لتقبل الإنتقادات البناءة ، لأنه مؤمن أشد الإيمان بضرورتها لتطور كل مبدع في أعماله القادمة ، زد على ذلك أنه مستعد دوما للمناقشة ، التي تظهر من خلالها ثقافته الرصينة وقدرته على الإقناع والدفاع عن وجهات نظره واختياراته الفنية والفكرية . وهذا ليس غريبا على باحث متمرس يرجع الفضل إليه في تسليط بعض الأضواء على تاريخ النقد السينمائي بالمغرب من خلال أطروحته ” النقد السينمائي بالمغرب : نشأته وتطوره ” ، التي ناقشها سنة 1996 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز بفاس وحصل بها على دبلوم الدراسات العليا ، والتي طورها وأضاف إليها الشيء الكثير في بحث لاحق حصل به على شهادة الدكتوراه ونشر جزءا منه في كتاب بعنوان ” المقاربة النقدية للخطاب السينمائي بالمغرب : 1905 – 2000 ” .
ولا يمكن للساحة الثقافية السينمائية أن تنسى ما قدمه عز العرب العلوي للأندية السينمائية حينما عين مستشارا مكلفا بالإعلام والإتصال بديوان وزير التعليم الثانوي آنذاك عبد الله ساعف ما بين 1997 و 2001 حيث أشرف بمعية أطر الجامعة الوطنية للأندية السينمائية على إحداث عدد كبير من الأندية السينمائية المدرسية داخل الثانويات على مدى ربوع الوطن ، حيث كانت تجربة رائدة ومتميزة . كما لا ننسى امتداد تجربة هذا المبدع خارج البلاد حيث أصبح يحضر في الكثير من المهرجانات السينمائية الدولية ، بتركيا والهند ومصر وبلجيكا وإيطاليا والجزائر وغيرها ، إما كرئيس لجنة تحكيم مسابقة أو كعضو فيها .
إن الإحتفاء بتجربة المبدع عز العرب العلوي في حفل افتتاح الدورة 19 لمهرجان سيدي قاسم للفيلم المغربي القصير هو في آن واحد احتفاء بمخرجي الأفلام القصيرة والطويلة المتميزين ، واحتفاء بالباحثين والنقاد والمؤطرين الذين ساهموا في تكوين العديد من الشباب وعشاق السينما في ربوع المملكة ، واحتفاء بأبناء حركة الأندية السينمائية بالمغرب الذين أغنوا السينما الوطنية بإبداعاتهم المعتبرة .
أحمد سيجلماسي