** منذ ظهور نتائج انتخابات 7 أكتوبر 2016 التشريعية والفضاء السياسي المغربي يمور سلبا وإيجابا، ويتحرك يمنة ويسرة، ويهتز من فوقه ومن تحته. حيث انشغل الجميع بهذه النتائج، وتصدى لها البعض بالتحليل بصورة تتراوح بين الموضوعية والانحيازية، وحاول البعض الآخر تفكيك عناصرها بقراءات استباقية أو استشرافية، بينما أصر البعض الثالث على تأويلها وحمل معانيها على نحو لا يطاق.
غير أن الملاحظ في تعاطي هذه الفئات الثلاث مع حدث 7 أكتوبر، هي أنها تنتمي، جميعها، إلى الحقل السياسي: إما بالممارسة، أو بالمتابعة والمراقبة، أو بالاهتمام العادي (الشعبي). مما يدفعنا إلى التساؤل عن أسباب غياب فئات أخرى عن تسجيل تفاعلها أو ردود أفعالها إزاء هذا الحدث السياسي الذي مازال يفرز، لنا، من ظاهره وباطنه، جدلا مثيرا حول قضايا: الديموقراطية، واحترام الإرادة الشعبية، والتفسير السليم للدستور، وحقيقة الاستثناء المغربي، والتعايش السياسي بين الحزب والنظام…ووو ؟؟؟.
ولعل الفئة الغائبة التي تهمنا هنا، هي فئة الأدباء؛ من شعراء وقصاصين وروائيين ومسرحيين، حيث تقاعس، جميعهم، عن مجاراة دينامية هذا الحدث الذي كتب فيه الفرنسيون والبريطانيون والأمريكيون بما أكد أهميته ومدى تأثيره في ترسيم مستقبل البلاد السياسي والديموقراطي.
لم نقرأ قصائد شعرية تسخر من تطورات نتائج 7 أكتوبر أو تؤيدها أو تعيد صياغتها بلغة رمزية دالة.
كما لم نقرأ قصصا قصيرة أو جد قصيرة حول نفس الحدث، تَحْمِل قراءها، المدمنين على هذا الجنس الأدبي، على استعادة الصلة بواقع سياسي لا يرغبون أو يهربون من متابعته بصورة مباشرة.
بل لم نقرأ روايات، أو روايتين على الأقل، “صاخبتين” و”ساخنتين” لاحقت هذا الحدث المهم؛ بما يؤرخ لوقائعه وشخوصه وعقده من جهة، ويدفع عددا من المتلقين، المولعين بهذا الجنس الأدبي، إلى معرفة حقائق هذا الحدث، ومدى سلامة تحولاته السياسية، أو انحرافها عن مقصودها الدستوري؛ بلغة سردية محبوكة قادرة على شحذ الانفعالات والعواطف المختلفة بشكل لا اختلال فيه من جهة ثانية.
لكن، وللأسف الشديد، كان الأديب المغربي خارج سياق الحراك المجتمعي، رغم أن حدث 7 أكتوبر 2016 فجر المنطوق والمسكوت عنه، وحَمَلَ المواطن العادي على التفاعل معه بالتعليق الجاد أو الساخر على نحو غير مسبوق، خاصة على صعيد مختلف مواقع التواصل الاجتماعي.
فما الذي منع صناع الحرف الأدبي من أن يكونوا شاهدين ب”مواقف” أدبية صادقة، على مرحلة مهمة ومثيرة من تاريخ مغربنا السياسي؟ بل ما الذي أغراهم بالعيش في مستنقع الغيبوبة بعيدا عن مخاضات المجتمع والدولة؟.
والواقع، هو أننا لا نرغب في أن يكون الأديب المغربي متفاعلا مع هذا الحدث أو ذاك، من منطلق براغماتي، يساعده على التقرب إلى جهة ما؛ يراها جسرا إلى تحقيق مآربه الذاتية الضيقة. كما أننا نرفض بقوة، أن يكون هذا الأديب متجاهلا لهذا الحدث أو غيره، من منطلق خوفه من بطش السلطة، أو خوفه من التصنيف الإيديولوجي.. ففي الحالتين معا يكون هذا الأديب خائنا لوطنه.. ولقيم المعرفة.. ولروح أدبه.
إن البلاد في حاجة إلى أديب لا يتورع عن الانخراط في لهيب العمل اليومي للجماهير، ولا يخاف من مواجهة الفساد والمفسدين في السياسة والثقافة، بقدر حاجتها إلى أديب يحترم نفسه، ويرفض أن يتحول إلى بوق أو واجهة لتزيين واقع مريض.
طنجة الأدبية