** تشهد بلادنا منذ فترة ليست ببعيدة، أحداثا ليست على وتيرة واحدة، بل ولا ينظمها خيط رفيع أو سميك.. هي أحداث فسرها البعض بأنها مؤشرات على بروز فكر “تنظيم الدولة الإسلامية” أي ما يعرف ب”داعش” بساحتنا الاجتماعية والوطنية عموما، حيث التشدد والعنف وإقامة الدولة داخل الدولة. والبعض الآخر نظر إليها باعتبارها علامات على انتعاش المد العلماني، ومحاولة منه للنيل من قيمنا الاجتماعية، حيث التفسخ والإباحية وتفتيت عرى الأسرة والمجتمع. وبين هذين الرأيين أو القراءتين، يذهب فريق ثالث إلى أن هذه الأحداث لا تخرج عن كونها عابرة، وغير ممهد لها، ولا مفكر فيها من قبل.. جاءت بعفوية ملحوظة، دون أن يستدعيها فكر داعشي، ولا أن يفرضها مد علماني.
والواقع أن ما عرف بحادث “التنورة” بإنزكان، وما أعقبه من حادث “تعنيف” شاب مثلي بفاس، ينبغي أن ينظر إليهما في سياق آخر.. في سياق احترام القانون، ووجود الدولة بمفهومها الاجتماعي والأخلاقي والأمني.. أي ما يمكن تسميته ب”هيبة الدولة”.
إن تطبيق القانون، والسهر على تنفيذه في كل المجالات المجتمعية، وإحقاق الحق، والمساواة بين المواطنين، ورد الحقوق إلى أصحابها، والفصل بين المتنازعين بالعدل، وتكريس أسباب الأمن والاستقرار والسلم اجتماعيا واقتصاديا وقانونيا، أدوار مخولة للدولة – لا لغيرها – للقيام بها، وترجمتها إلى حقيقة ملموسة بين كافة مواطنيها.
أما قيام الأفراد أو الجماعات داخل الدولة بتنفيذ القانون، والفصل بين المتخاصمين، وإنزال العقوبات بالمخطئين أو المشتبه بهم، فهو افتئات على السلطة، وتطاول فج على اختصاصات الدولة وصلاحياتها، ومدخل شيطاني سهل للفوضى، والعبث بأمن الناس وسكينتهم.
لقد أكرم الله بلدنا بنعمة الاستقرار، وحباها بكل أسباب العيش الكريم، وأبعدها عن كثير من بؤر الفتن، لذلك لا نعتقد أن أحدا يطمع في أن يبدل هذه النعم التي أكرمنا بها الله عز وجل، بما هو دونها أو أسوأ منها.. ولا نعتقد أن أحدا من الناس يعتقد أن شعبنا مستعد للتنازل عن هذه النعم اليوم أو غدا. بل علينا جميعا أن نجتهد ملء طاقتنا للحفاظ على مكتسباتنا الاجتماعية والأخلاقية والقانونية، وأن نذود عنها بكل غال ونفيس.
إن هيبة الدولة تتحقق بإقامة العدل، ومحاربة الفساد والمفسدين، وإشاعة ثقافة الديموقراطية بين جميع أبنائها وتنظيماتها السياسية والجمعوية، بحيث يتم الانتصار دائما – في الاختيار وصناعة القرار – للإرادة الحرة، والقانون، والخبرة، والكفاءة، والإبداع، والامتثال للفطرة والضمير والحق.
إنه بقدر ما يتم انتقاد الدولة على تسلطها أو انحرافها عن إقامة العدل وحماية قيم المجتمع وأخلاقياته، ينبغي انتقاد الأفراد والجماعات على تطبيق القانون من تلقاء أنفسهم.
ففي انحراف الدولة خيبة لا هيبة. وفي تطاول الأفراد على الدولة جريمة لا يمكن السكوت عنها تحت أي مبرر أو طائل.
طنجة الأدبية