يمكن للمتتبع للمشهد الأدبي الرقمي المغربي والعربي ملاحظة ذلك الزخم غير العادي للإبداع الإلكتروني أو الرقمي كما أصبح يصطلح عليه والذي يحلو للبعض اعتباره “أدبا جديدا لعصر مختلف” في حين أن الآخرين يجدون فيه عيوبا كثيرة تبدأ بتضخم ذات أصحابه ولا تنتهي كون أغلبه ضحلا ولا يساهم في انتشاره سوى السهولة في النشر والتواصل.
لن ندخل الآن في متاهات التجنيس والتحليل طارحين سؤالا من قبيل: هل يمكن حقا الحديث عن “أدب رقمي عربي” لديه مقومات وخصائص تختلف عن الأدب الورقي الذي تعارفنا عليه؟، لأن السؤال يحمل جوابه في طياته، وهو قطعا سيكون بالإيجاب، لكن أسئلة أخرى بالمقابل تفرض نفسها بقوة: …ألم يأت هذا الأدب ليحل نوعا ما إشكالية النشر الورقي الذي وصل في المغرب على الخصوص إلى أقصى أزماته ..الأمر الذي دفع بالقاص أحمد بوزفور في سياق تبريره لرفض تسلمه جائزة المغرب للكتاب منذ سنوات للقول: “أخجل من تلقي جائزة عن كتاب طبعت منه ألف نسخة ولم توزع منها سوى500 على شعب من ثلاثين مليون نسمة، وهذا لأفصح دليل على الوضعية التي يعرفها الكتاب وأننا لم نصل بعد في المغرب إلى تحقيق “المجتمع القارئ”…
ثم، ألم يُمَكن النشر الرقمي الأصوات الإبداعية الجادة من الإنتشار السريع الأمر الذي لا يتيحه النشر الورقي؟ وبالمقابل ألم ينشر الرداءة، ويعطي الفرصة لأنصاف المواهب لمقارعة القامات السامقة في الإبداع؟
بحكم جدته وككل الأشكال والأجناس الجديدة مازال “الأدب الرقمي” يثير الكثير من الأسئلة والحيرة في التعامل معه وفي تلقيه، بل هناك من الكتاب والمثقفين من مازال رافضا له ومُعرضا عن التعامل معه.
لكن نظرا لشكله وميزته التفاعلية وغير الثابتة فإن الباحثين والنقاد الذين تناولوا الأدب الرقمي بالبحث والتحليل يؤكدون على أنه من الأهمية بمكان لمن يريد التصدي لتحليل و نقد هذا الأدب أن يتوسل إلى ذلك بأدوات جديدة غير تلك الموروثة عن الأدب الورقي، أو على الأقل أن يحاول تجديد وتطوير تلك الأدوات حتى تتماشى مع الجنس المطروق الذي يتميز بجدته وحداثته واختلافه في كثير من المناحي عن الأدب الورقي.
لكن هل حان الوقت حقا للحديث عن نوع من الإزدواجية وعن نوعين من الثقافة والمثقفين كما يذهب إلى ذلك الباحث المغربي محمد أسليم مؤكدا أن هناك “ثقافة ومثقف سيبيريين رقمييين عصريين، وثقافة ومثقف ورقيين كلاسيكيين تقليديين.”؟!
على العموم نحن في “طنجة الأدبية” نعايش هذه التجربة يوميا بحكم الاشتغال في منبرينا الورقي والإلكتروني، ولا نجد هذه المسألة تطرح نفسها ،على الأقل حتى الآن، بكل هذه الحدة.. فكون المواد التي تنشر يوميا في الجانب الإلكتروني ليست هي نفسها التي تنشر في المجلة الورقية، وكون بعض الكتاب والمبدعين يصرون على النشر الورقي متجاهلين النشر الإلكتروني لا يعمق كثيرا من هذه الهوة..
وهذا لا ينفي أن تجربة الموقع الإلكتروني ل”طنجة الإدبية” قد عرفت تطورا باديا للعيان منذ نشأة هذا الموقع منذ ست سنوات، كونه إنتقل من مجرد موقع لنشر المواد الإبداعية إلى موقع يزاوج بين هذه العملية وكونه موقعا إخباريا ثقافيا..لكن اللافت للإنتباه هي أن المواد التي يتلقاها الموقع عرفت مع مرور هذه السنوات إرتفاعا في جودتها الأدبية والإبداعية الأمر الذي لم يعد معه إلحاح الفرز طارحا نفسه بنفس الحدة التي كان بها بادئ الأمر…
طنجة الأدبية