*** سبق لنا أن أطلقنا في افتتاحية العدد 34 صرخة عالية نقول فيها أن مجلة طنجة الأدبية “قد تتوقف يوما عن الصدور، وتنسحب إلى الوراء، لتحتمي من سعار المجهول” ونعتقد أن هذه النبوءة قد بدأت تتحقق اليوم، رغم أنها لم تكن قط ضربا من ضروب الغيب، وإنما تنبأنا بحدوثها، لأن كل عناصرها توفرت بين أيدينا في وقت مبكر..
لقد دعونا وزارة الثقافة التي كان يرأسها آنذاك بنسالم حميش، إلى النظر بجدية إلى ما تحمله مجلتنا من أفكار وتصورات موازية، لبناء مغرب ثقافي جاد وحالم وطموح، غير أنها لم تعر لدعوتنا وصرختنا أي اهتمام.. أو لنقل بعبارة أكثر صدقا وواقعية: إن بنسالم حميش إنشغل بصراعاته الحزبية والسياسوية، وفتح أكثر من جبهة مع المثقفين والفنانين و”الحلايقية”، دون أن يضع في برنامجه القطاعي الحكومي، خطة لتطوير الأداء الثقافي ورسالته.. بل لم يضع المسألة الثقافية ضمن أولوياته، اعتقادا منه أنه يكشف بهذا الإهمال والتجاهل عن “فلسفة” خاصة به (وهو المولع بالحديث عن الفلسفة و تدريسها) ستغير المغرب رأسا على عقب.. وفعلا غير المغرب نحو الوراء بمعاركه الوهمية، وقضاياه التي لم يستوعبها أحد، ولن يحتفظ له التاريخ بأي ذكر لها.
لقد أوقفت وزارة الثقافة السابقة حلم استمرار انتظام الصدور الورقي لمجلة طنجة الأدبية، ودفعت بها إلى الحائط المسدود، في وقت كانت فيه تدعم – ماديا و ماليا و معنويا – منابر ثقافية غير مرئية، ولا توجد في أكشاكنا إلا مرة في السنة.. لكن بنسالم حميش ذهب – دون رجعة إن شاء الله – وأملنا أن تذهب معه طريقة تسييره للمرفق الثقافي وتدبيره لمشاكل القطاع، حتى يتمكن الوافد الجديد محمد الأمين الصبيحي من ممارسة مهامه وفق رؤيته المغايرة للشأن الثقافي وفاعليه.
إن الحكومة الجديدة رفعت شعارات قوية، أبرزها محاربة الفساد و المفسدين، ونحن نعتقد أن المجال الثقافي لم يكن بعيدا عن الفساد سواء في التدبير، أو في التمويل، أو في نسج العلاقات بين فاعليه والمحيط.. لذا نأمل أن تنجح هذه الحكومة في تنزيل برنامجها المجتمعي، بمواجهة خصوم المغاربة من الفاسدين والمفسدين، والمحاربين للتغيير، والكارهين لدوران عجلة الإصلاح.. كما نأمل من الوزير الصبيحي أن يعيد الوزارة إلى سكتها الصحيحة، وأن يلتفت بجدية وبعد نظر إلى المشروع الوطني للثقافة، وأن يرد الاعتبار إلى مثقفي البلاد وفنانيها، وأن يكون عادلا وشفافا في التعاطي مع مسألة الدعم المالي للإعلام الثقافي، وللمسرح والكتاب والأغنية المغربية.
وفي انتظار الإنصاف وإحقاق الحق، يؤسفنا أن نزف لقرائنا الكرام خبر تحول مجلة طنجة الأدبية إلى نظام (ب دي إف)، وعجزها عن مواصلة الإصدار الورقي المنتظم.. لكن طموحنا كبير جدا في العودة قريبا إلى الأكشاك، خصوصا إذا ما أصغى وزير الثقافة الجديد محمد الأمين الصبيحي إلى صرختنا العميقة، وبادر إلى تجنيبنا الإصطدام بالحائط المسدود، وأنقذنا من سعار المجهول.
إن يدنا ممدودة إلى الوزير لتمكين رئة المغرب الثقافية من استنشاق هواء الإبداع والفكر والثقافة، بعيدا عن أي حسابات ضيقة أو معارك وهمية.. فهل يمد يده إلينا؟.
طنجة الأدبية