*** نضطر مرة أخرى إلى الحديث عن الدخول الثقافي(؟).. نسوق كلمة “اضطرار” لأننا نجد صعوبة كبيرة في تأكيد وقوع عملية الدخول وقوعا فعليا وملموسا ومشاهدا(؟).
إننا نعتقد أن المغرب يعد من أضعف الدول العربية من حيث الحراك الثقافي، سواء عند حلول مناسبة ما يسمى بموعد الدخول الثقافي، أو عند حلول بعض المحطات التي تستنفر الأفعال الثقافية، وتستفزها للبروز والتفاعل كالمعرض الدولي للنشر والكتاب، أو يوم وطني لأحد التجليات الثقافية كالمسرح أو السينما، أو ذكرى رحيل مثقف بارز، أو غيرها من المناسبات الأخرى.
إن الدخول الثقافي يرتبط دائما بعملية تحريك قوية للمطابع والصالونات الأدبية وخشبات المسارح ووو .. أي يرتبط بحجم المطبوعات الثقافية (من صحف وكتب ووسائط إلكترونية) التي تقذف بها السوق بوعي وتخطيط واستراتيجية، كما يرتبط بمدى عقد وتنظيم الندوات والمحاضرات وموائد النقاش والحوار ومختلف الأنشطة التي تدور حول قضايا تهم الفكر والثقافة والمعرفة.
فكلما نشط الواقع الثقافي بهذه الوتيرة، أمكن لنا أن نقول، أن هناك دخولا ثقافيا. لكن يبدو أن مثل هذا الدخول لم يتحقق بعد مغربيا.. فمن يتحمل المسؤولية؟ هل هو وزير الثقافة الذي لم يخطط جيدا لهذا الدخول في برنامجه الحكومي؟ أم هم المثقفون أنفسهم الذين أدركوا في ظل رياح الثورات العربية أنهم عاجزون عن تلبية متطلبات المرحلة؟ وأن خطابهم الثقافي المثقل بالأوزار السياسية بات تقليديا وكسيحا؟ أم هي الدولة برمتها، التي تعلم جيدا أن الدخول الثقافي الجيد لا ينتج إلا الحركة والإحتجاج والثورة على كل بال ورث وفاسد؟ أم هي المطابع التي لا تجد ما تطبعه من كتب ودوريات، لجفاف القرائح وغياب مشاريع الأفكار؟ أم هي الضرائب التي تجتهد الحكومة في فرضها على المطبوعات المختلفة بهدف إيقاف أي وعي زاحف نحو الرفع من منسوب القراءة والتعلم والإبداع؟.
مهما كانت الأسباب التي تسفر عن ذهولنا الثقافي، وتحول بالتالي دون تحقيق الدخول الثقافي بكل ما يحمله من إحتفالية ومسؤولية وضمير، فإننا مطالبون – كل من موقعه المختلف والمتعدد – بالعمل، انطلاقا من خطاب ثقافي جديد ومتجدد، على تثوير واقعنا المجتمعي بصورة يومية.. نرفع أصواتنا.. نهدم أسوار الصمت.. نكتسح كل الأشواك.. نواجه كل الصعاب.. طيلة السنة، وعند كل مناسبة فكرية أو ثقافية.. حتى ننسج رؤية واعية لحاضرنا الثقافي المختل، وحتى نتمكن من بناء ذاتنا الحضارية وفق أسلوب يؤمن بالحركية الدائمة، ويرفض معانقة نشاط ما بإيقاع موسمي فقط.
الثقافة مدخل للإندماج في الفعل السياسي و الاجتماعي والإقتصادي.. والثقافة حرية.. والدخول الثقافي لون من ألوان التغيير والتحرير.. فمتى نحرر ذواتنا الثقافية من مظاهر الإستكانة والذل الاجتماعي والقهر السياسي؟.
طنجة الأدبية