*** حمل الدستور الجديد الذي تم التصويت عليه يوم فاتح يوليوز 2011 إشارات والتفاتات ثقافية تستحق منا التنويه والتقدير، كان أولها دسترة “اللغة” الأمازيغية وترسيمها، وكان ثانيها التنصيص على “المجلس الوطني للغات و الثقافة المغربية”.
وقبل أن يبادر الذين كلفوا بمراجعة الدستور القديم إلى الإستجابة لمطلب الشعب المغربي المتمثل في الإعتراف بالأمازيغية كلغة وطنية رسمية، عادوا إلى التأكيد على رسمية اللغة العربية، ودعوا الدولة إلى حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها.. ولعل المتأمل في هذه الدعوة، يدرك أن اللغة العربية عانت – وماتزال – محنا شتى في مسار البحث عن مكانة لائقة لها داخل أروقة المجتمع.
حيث لم يعترف لها قط بأية ريادة أو أسبقية.. لا في المجال السياسي، ولا في المجال الإقتصادي، ولا حتى في المجال الثقافي، بل المثير جدا أنها عجزت أن تضمن لنفسها مكانا في الشارع العام عبر لوحاته الإشهارية، وأسماء المتاجر والشركات والمعاهد التعليمية.. لذا ظلت دائما لغة مهمشة ومحاربة، ولم تتمكن يوما ما من احتلال موقع متقدم عن لغة الإستعمار الفرنسي البغيض والمتوحش.
لكن الدستور الذي فرضه الربيع العربي، وعجل بميلاده – رغم الإختلاف والخلاف حول مضمونه ونفسه الديموقراطي – حمل على عاتقه مسؤولية حماية هذه اللغة، وتطويرها وتنمية استعمالها.. لكن إلى أي حد يمكن لهذه المسؤولية أن تثمر نتائج واقعية؟.. إن سؤالنا هذا يفصح عن نفسه، ليدفع التاريخ قسرا إلى الحديث عن أشكال المعاناة التي عصفت بلغة الضاد، وحشرتها في زوايا ضيقة ومنسية – لعقود طويلة ومملة – رغم دستوريتها.
إن تاريخ استعمال اللغة العربية ببلادنا سيء للغاية، وأسود للغاية، ويدعو إلى الإستفزاز والإمتعاض والإستياء.. ونعتقد أن الوقت قد حان لرد الإعتبار لهذه اللغة، وإخراجها من وضعها السياسي الذي لا يليق لا بالإسلام ولا بإمارة المؤمنين، رغم أن التنصيص على رسمية “اللغة” الأمازيغية في دستور فاتح يوليوز، سيرفع من حرارة معاناتها من جديد.. باعتبار أن توجيه الاهتمام والعناية والرعاية لهاتين اللغتين معا وبشكل متوازن، وإنشاء آليات لحمايتهما وتطويرهما في آن واحد، سيكون فيه ظلم فادح لهما معا.. أي أن المستفيد من وضعهما الحالي، تبقى دائما لغة الإستعمار الفرنسي التي نرى أنها ستزداد قوة وريادة في ظل استمرار دواليب الدولة بين أيدي نخبة فرنكفونية لا تنتمي لهذا الوطن، لا لغة ولا حتى هما وانشغالا وحرقة.
أما حديثنا عن المجلس الوطني للغات و الثقافة المغربية، فلن يخرج عن تعليقنا البسيط التالي: ماذا نقصد باللغات؟ هل هي لغات داخلية مغربية تاريخية؟ أم هي لغات أجنبية فرنسية وإنجليزية وهندية وكاميرونية ووو؟ مهما يكون الجواب متزنا أو منفلتا من ضوابط العقل والحكمة، فإن المطلوب هو إنشاء مجلس أعلى للثقافة، يوجه – بإمكانيات حقيقية وجبارة – في اتجاه الرفع من درجة الإهتمام بالثقافة المغربية التي نفتقد طبيعة هويتها اليوم، ولا نحسن التكلم عنها لغيابها عن برامج المدرسة وعن المسرح والسينما والتلفزيون والصحافة والقضاء والرواية والشعر والقصة القصيرة وسباق الخيل والرياضة وعن كل صور المجتمع.. من منا قادر على أن يقول لنا ما هي الثقافة المغربية بحمولتها العربية والأمازيغية لا غير؟.
طنجة الأدبية