*** تعود الأيادي الآثمة والنفوس المريضة مرة أخرى إلى ضرب استقرار البلاد وأمنه من خلال استهداف مدينة مراكش المرابطية.. إنها محاولة يائسة من أناس يكرهون الحياة، ويعشقون دماء الأبرياء، ويتطلعون إلى قتل البشرية جمعاء.. فلماذا يصرون على ترميل النساء، وتيتيم الأطفال، وتغيير لون الحياة؟ لماذا يزعجهم حبنا للحياة؟ وانفتاحنا على الآخر؟ وحرصنا على أن يكون بيننا الآخر، بثقافته المختلفة، ووجهة نظره المغايرة، ومواقفه الإنسانية البسيطة والسمحة؟.
إن التغيير لا يكون أبدا بالقنابل والمتفجرات والخناجر.. لأنها وسائل وطرق تمنحنا الموت، وتحول بيوتاتنا إلى خراب تسكنه الغربان. ولكن التغيير يكون بالكلمة الطيبة، والقلم الحر، والصوت الصادق الذي لا يخاف إلا الله.. يكون بنوع من الثقافة التي ترتقي بالإنسان نحو السلم، وقبول الآخر، والتعايش معه مهما كان الإختلاف في اللون أو العرق أو الدين أو الجغرافيا.
إن القتل يولد الحقد والكراهية والظلم والقتل.. لكن الكلمة الطيبة تولد الحب والتآلف والتعاون والعدل والحياة.
لقد ربانا ديننا الحنيف على المجادلة بالتي هي أحسن، وعلى أنه: “إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه”، ولم يعلمنا قط عبر تاريخنا الطويل، أن نقتل في مواطن الحياة، وأن نزهق الأرواح مجانا، وأن نستهدف الأبرياء و نطعنهم بسكاكين حادة في ظهورهم بعد أن جاؤونا ضيوفا يعلنون حبهم لنا، ويقتسمون معنا الابتسامة والاستمتاع بأرضنا وهوائنا ومائنا وأزهارنا وخبزنا.
إن العمل الجبان الآثم الإرهابي الذي نال من سكينة الناس وطمأنينتهم بمراكش مؤخرا، عمل خارج التاريخ.. يدينه الدين، والفكر السليم، والعيش الإنساني المشترك..
ويدينه التاريخ، وتاريخ مراكش.. مراكش التي كانت – وماتزال – عاصمة للثقافة الإسلامية منذ نشأتها على يد خليفة المسلمين يوسف بن تاشفين.. إلى اليوم. احتضنت العلم و المعرفة والفن بامتزاج عجيب، عربي إسلامي وإيبيري وإفريقي، وأطالت من عمر الوجود العربي الأمازيغي المسلم بالديار الأندلسية بترجمة قيم التسامح والتعايش والتثاقف إلى عملات متداولة ورائجة.. وكانت ندا ونظيرا لعواصم المشرق العربي: بغداد ودمشق والقاهرة، بل تجاوزتها في إضاءة كثير من دروب الحضارة الإنسانية، ولعقود من الزمن.
لذا نرى أن الإرهاب الذي حاول النيل منها ومن تاريخ المغرب القديم والحديث، لن ينال بغيته لرمزية المكان وعبقريته.. وستبقى الحياة مستمرة في بلد يعشق الحياة، ويدعو إلى الحياة من أجل الحياة.
طنجة الأدبية