ثمة حاجة لزرع بذور الحياة في تقاليد و«مساطر» الاحتفاء برموزنا الأدبية والفكرية والسياسية والفنية والرياضية وغيرها، فالموت الذي هو سنة الحياة، ومآل كل كائن حي، لم يكن على مر العصور والأزمنة، حاجزا لتخليد الأسماء، والأعلام الكبرى، التي ساهمت بشكل أو بآخر، في صنع تاريخ الشعوب، أو البشرية جمعاء.
ويبدو أن للمغاربة «عقدة» ما، اتجاه الاعتراف المؤثر، والاحتفاء العميق، ببعضهم البعض. لأمر ما لا يجد المغربي حرجا، في كيل المديح-الصادق، أو على سبيل المجاملة، لبعض الأسماء العربية أو الغربية.. لكن، يقف «حمار الاعتراف» عند عقبة الأخ المغربي، فهل المغربي ذئب لأخيه المغربي؟، مع الاعتذار على التصرف في مأثورة هوبز الخالدة: الإنسان ذئب لأخيه الإنسان.
منذ سنوات، وكبار «نجوم» الفكر والأدب والسينما والمسرح والرياضة.. يرحلون تباعا، طال النسيان الكثير منهم، وبعضهم مات وفي قلبه غصة، من ظلم وجحود ذوي القربى المغاربة، حتى داخل الحقل الذي كان يشتغل أو يبدع فيه.. لو عاش شكري أو زفزاف أو المجاطي أو عفيفي أو الدغمي أو الجابري أخيرا، وغيرهم كثير، في أفقر بلد أوروبي لسارت بذكرهم الركبان، وكانوا أشهر من نار على علم. لكن هيهات أن يحصل هذا في المغرب الثقافي والفني.
كان الاحتفاء الأخير بأربعينية الجابري، خطوة راقية، ساهمت في نجاحها رمزية اليوسفي، واعتراف المشارقة.. عندما يعد التلفزيون العمومي برامج خاصة بكل الحرص والاحترافية المطلوبة؛ عندما تصدر المجلات أعدادا خاصة، ويصدر المؤلفون كتبا جماعية مخصصة لهذا الاسم أو ذاك؛ عندما يتم الاحتفاء المنظم، ومتعدد الزوايا والأشكال، بذكرى الوفاة أو الميلاد، أو إصدار كتاب أو عرض شريط، أو الفوز بجائزة أو بطولة..؛ عندما يعترف ويتعرف المغاربة على رموزهم الحقيقية بسرعة البرق في المسابقات، وتصدر كتبهم أو كتب خاصة بهم في طبعات وطبعات.. حينها يمكن الحديث عن بدء المصالحة العميقة والتاريخية للمغاربة وللمغرب، مع رموزه وأعلامه على مر التاريخ.
ثمة حاجة للاشتغال العميق على الذكرى والذاكرة. ليس المغرب أصلا تجاريا في ملكية البعض دون الآخرين.. المغرب رمز وحلم وانتماء، يشارك الجميع في صنعه، وتجديد معانيه، وترسيخ عطائه، وحضوره في ذاكرة الإنسانية.. وهذا ما فعله باقتدار الجابري وشكري وزفزاف وآخرون، ممن طالهم أو يطالهم النسيان.
طنجة الأدبية