*** ابتلينا – نحن المغاربة – كلما حل الصيف، واستعر لهيب الشمس الحارق، باندلاع نيران المهرجانات الغنائية والموسيقية هنا وهناك، حيث تتناوب المدن الكبرى للمملكة، على إقامة المنصات الضخمة، ذات مكبرات الصوت الحديثة والمتطورة، وسط أهم شوارعها المكتظة وأحيائها الشعبية المزدحمة، إيذانا بانطلاق فعاليات الصخب والضوضاء والهرج والمرج والصياح.
لقد باتت هذه المهرجانات الباذخة والمستنزفة للأموال العامة الطائلة، تقليدا سنويا تتسابق مدننا الكبيرة الفقيرة من خلال جماعاتها المحلية، في إقامته والإنفاق عليه بكل غال ونفيس، متجاهلة احتياجات المواطنين المادية والمعنوية والروحية.
لكن ما هو الهدف من إقامة هذه المهرجانات؟ وماذا ينتظر منها؟ وما الذي تحقق منها من مكتسبات؟
أسئلة قد تبدو عادية، وقد يعتبرها البعض غير ذات جدوى، بل وقد يتهمنا آخرون بأننا ضد الفن والموسيقى والرقص المعبر والهادف.
إننا نطرح هذه الأسئلة لنؤكد: أولا نحن لسنا ضد الاحتفال بالموسيقى والاحتفاء بها، ولسنا ضد الغناء بما هو تعبير عن كونية القيم الجميلة والسمحة، كما أننا لسنا ضد التعريف بالفن، والعمل على تطويره وتوظيفه بما يحقق للمواطنين متعة الإحساس والإدراك والتأمل والتفكير، وبما يربطهم بالحياة والروح والعالم. فالموسيقى إيقاع ساحر، مسكون بطرق شتى توصلنا إلى فهم عميق للحياة، وإلى تنمية الإنسان على نحو يحقق السلام والتعايش والتكافل، غير أنه للأسف الشديد هذا ما نفتقده في هذه المهرجانات المهيجة، التي يصر منظموها على أن تكون مجرد وسيلة لتحقيق غاية التهييج والتجييش والتخدير وتزجية الوقت، ووسيلة لإنتاج الصياح والعويل ورقص التدافع والتساقط،
بيد أن الملاحظ هو أنه من بين عشرات المهرجانات المقامة والمنظمة في طنجة وتطوان وفاس والرباط والدار البيضاء وأكادير وغيرها، لا تجد ولو مهرجانا واحدا ثقافيا يعيد لثقافتنا الضامرة والمنسية، فرصة الانبثاق والتجدد، وإمكانية التألق والإبداع.
ألا نتوفر على رجل رشيد من مسؤولي هذه المدن المذكورة أعلاه، يمكنه أن يبادر إلى تنظيم مهرجان ثقافي واحد، ويحوله إلى تقليد سنوي، نسائل به ذاتنا الحضارية: الأدبية والفنية والتقنية والصناعية والحضارية، استنادا إلى مفاهيم ومواقف نهضوية، تحررنا من منطق التبذير واستنزاف المال العام وتزجية الوقت؟ وتصل بنا إلى مرحلة نتطلع فيها إلى ما هو أفضل أدبيا وثقافيا وديموقراطيا واقتصاديا واجتماعيا؟
طنجة الأدبية