*** من الأسئلة التي يتهرب من الإجابة عنها مثقفونا باستمرار، والتي من شأنها أن تعزز هويتنا الثقافية، وتفتح أمامها آفاق التجديد والتحديث والكونية.. سؤال الأمن الثقافي؟
وإذا كنا نجهل الأسباب التي تدفع مثقفينا إلى الهروب من تقديم إجابة شافية وممنهجة على هذا السؤال الهوياتي، فإننا نعلم جيدا أن هذا السؤال يطرح في بعده وعمقه الحضاريين، قضايا مستقبلية في غاية الأهمية، أهمها قضية التحرر، وقضية الاستقلالية، وقضية الندية الحضارية.
وتتفرع عن هذه القضايا مسائل متشعبة، وممتدة إلى قضايا أخرى من طبيعة غير ثقافية… أي تمتد إلى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقانوني.. فيقع التفاعل، ويحدث الامتزاج، وتتحقق للأمة حالة وعي تاريخية بما يحيط بها من أسباب التخلف، والعجز عن إحداث اختراق في مفاهيم التقدم والحداثة والأصالة المتجددة.
ومادام الجواب عن السؤال المطروح أعلاه غائبا أو مغيبا، فإن أمننا الثقافي يظل منفلتا نحو ظواهر السلبية والسطحية والتقليدية.. حيث يجتهد في بناء صروح وقلاع من الوهم الثقافي المتمثل في إثارة مواضيع هامشية، لا تعني المجتمع، ولا تحميه من التفكك والفتنة.. قضايا بعيدة عن الحرية، والديموقراطية، والأصالة التراثية المنتجة والمتفاعلة مع خصوصيات كل مرحلة على حدة.. قضايا تزيد من محنتنا العقلية، وترهن أفكارنا وتفكيرنا لمخالب الجهل والتبعية والاستهلاك المجاني المفرط.
نعم.. هناك إبداع، وثراء نسبي في الإنتاج الثقافي.. لكن هل هناك وعي بمشاكل المجتمع؟ بقضايا المواطن المختلفة والتي تمس إنسانيته وكرامته وموقعه في صناعة القرار الوطني؟ ثم هل هناك جودة في هذا الإبداع؟ في هذا الإنتاج؟
هل هناك نقد منهجي وإبستمولوجي وحضاري لما ننتجه من ثقافة؟ وما نستهلكه من ثقافة الآخر؟ وهل هناك تقييم منظم ومنتظم وواع لحصيلتنا الثقافية اليومية والمتراكمة.. الماضية والراهنة؟
إنها أسئلة وقضايا ومسائل تتناسل بغزارة ووفرة من رحم السؤال الأم: ماذا فعلنا لضمان أمننا الثقافي؟ وكيف؟ ولماذا؟ وفي انتظار الجواب الدقيق والمسؤول عنه، نقول إن معركتنا من أجل حماية ثقافتنا من جنود الظلام، وسلفية الأوهام، وحداثة العري الأخلاقي والحضاري والثقافي، تحتاج إلى مشروع ثقافي متكامل، يستند في رؤيته واقتراحاته إلى الثورة والجرأة والمواطنة.. وإلى مناهضة مشاريع المشرق السطحية والمتكلسة، ومشاريع الغرب الاستهلاكية والاستعمارية..
طنجة الأدبية