** أسدل الستار بالدار البيضاء – منذ أيام قلائل – على المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته السادسة عشر (16) .. وقد رفعت الخيام التي احتضت مختلف دور النشر العربية والغربية، ونثرت أوتادها، في ضوء مجموعة من الملاحظات والإرتسامات المجمع عليها بين عدد هام من المعنيين بشأن الكتاب، أو المهتمين بفن المعارض والنشر.
وقبل أن نشرع في بسط أهم هذه الملاحظات التي نرى أنها تدعونا إلى كثير من التأمل والحوار، لا بد لنا من تسجيل النقط التالية:
1 – إن بلوغ المعرض الدولي للنشر والكتاب دورته السادسة عشر، يعد أمرا في غاية الأهمية، ومؤشرا جيدا على نجاح الفكرة والمبادرة، والمشروع بما يحمله من أسئلة ثقافية وأبعاد حضارية.
2 – إقدام وزارة الثقافة على توسيع قاعدة المشاركين من الدول ودور النشر الأجنبية في هذا المعرض الدولي، وفي إضافة مساحة موازية تقريبا للمساحة المعطاة كل سنة لهذا الحدث الثقافي الهام، أعطي الدليل على إصرار الجهات الرسمية، على المضي قدما في إنجاح مشروعها، والتحضير بالتالي لكل شروط التلاقح والتثاقف الحضاري والإنساني.. وهو ما كنا نفتقده بصورة أو بأخرى خلال الدورات السابقة.
3 – إن استنكاف وزارة الثقافة عن رفع ورقة الفيتو ضد مجموعة من دور النشر، ودعوتها بالمقابل للمشاركة في المعرض الدولي للكتاب والنشر، أعاد الاعتبار لهذه الدور التي عانت طويلا من سياسة الإقصاء و المحاربة التي نهجها ضدها بعض الوزراء السابقين تحت حجة منع الترويج للأفكار الرجعية والظلامية.. لكن حضورها اليوم وأثناء هذه الدورة، و توريطها في صناعة بعض عناصر هذا الحدث الثقافي، أكد لنا أن الحياد والإنفتاح في التعامل مع الجميع، شرط لازم لبلورة كونية الثقافة ومرجعية المكان.
غير أن هذه النقط الإيجابية التي نسجلها بكل موضوعية لفائدة من كانوا وراء الدورة السادسة عشر لمعرض الدار البيضاء، لا ينبغي أن يحجب عنا بعض الأخطاء والخطايا والهفوات التي سقط فيها الذين سهروا وأشرفوا على فعاليات المعرض المذكور.. لذا نسجل أيضا ما يلي:
1 – إن مقاطعة عدد هام ومثير من المثقفين المغاربة لأنشطة المعرض وفعالياته، زاد من حجم مساحة ” النكد ” القائمة منذ زمن غير يسير بين الجهات الرسمية والمثقفين.. وضيع بالتالي فرصة حقيقية للتصالح بين الطرفين من جهة، ورد الإعتبار للمثقف المغربي المقصي والمهمش والمحتقر من جهة ثانية.
2 – المبالغة في الإحتفاء بالمثقف الغربي والعربي خلال هذه الدورة، صادق لنا من جديد على حقيقتين، أولهما أن الجهات الرسمية تعتقد أن نجاح المعرض رهين بحضور أسماء ثقافية من فرنسا وألمانيا وأمريكا ووو.. و في ذلك شعور بالنقص والدونية.. وثانيهما أن هذه المبالغة قابلها – بنفس درجة الحرارة – تهميش للمثقفين المغاربة والاستخفاف بهم.. وفي ذلك تأكيد متكرر للمقولة المشهورة “لا كرامة لنبي في وطنه”.
3 – جل العارضين المغاربة اتفقوا على عرض منتوجات هزيلة وفقيرة وقديمة.. وهو ما أساء للصناعة الثقافية المغربية، وأعاد طرح السؤال حول مشاريعنا المبرمجة لتقوية مسارات الثقافة المغربية: صناعة وإبداعا وترجمة و مبيعا.
3 – إن المعرض لم يستجب لشرطين أساسيين، الأول شرط عرض عناوين وأسماء كتب جديدة لم تعرض من قبل في سوق ثقافية أخرى.. والثاني شرط الثمن المناسب والمعقول للمنتوج المعروض.. ذلك أن أسعار الكتب في أغلبها كانت فاحشة ومستفزة لقدرات القارئ المغربي المغلوب على أمر “القفة”.