ضمن فعاليات الدورة السادسة (6) ل “ليالي الشعر الرمضانية”
تواصلت فعاليات الدورة السادسة ل “ليالي الشعر الرمضانية”، والتي تنظمها دار الشعر بمراكش احتفاء بأجيال وتجارب القصيدة المغربية الحديثة، ليلة السبت الماضي (30 مارس)، بتنظيم فقرة جديدة من برنامجها الشعري “مؤانسات شعرية”، هذا السفر الشعري والفني الروحاني، والذي تسبر فيه القصيدة أغوار ولواعج الذات، تمثل بعضا من إخصاب جمالي وإبداعي لشجرة الشعر المغربي الوارفة.
وشهدت هذه الأمسية الشعرية والفنية، والتي اختارت الدار أن تكون فضاء حواريا بين أجيال القصيدة المغربية الحديثة، مشاركة الشعراء: محمد بوجبيري ونورالدين الزويتني وعماد أفقير وزينة بوحيا، الى جانب المشاركة المتميزة للفنان المنشد مراد أشفاج. وافتتح ديوان “مؤانسات شعرية” الشاعر محمد بوجبيري، أحد رموز وأيقونات القصيدة المغربية الحديثة، في محاولة لإيجاد تلك “الأقدام”، والتي يراها “وحدها أفسدت الطريق”، قدم نصا طويلا بنفس واحد مثل “تغريبة الشاعر” اليوم، وشكل أحد اللحظات الاستثنائية في ليلة شعرية “فاضت بحضور” عشاق الحرف والكلمة.
يقول الشاعر محمد بوجبيري: “يَوَدُّ لَوْ يَنْأى بَعيدًا عَنِ الْآخَرين،/ بَعيدًا،/ أَيْضًا،/ عَنِ التَّشابُهِ الْمقيمِ فيهِ./ يَلوذُ بالسّامي الشاهِقِ فيهِ،/ وَبِالْخَلِيَّةِ النّائِمَةِ./ يَنْسِفُ قَنْطَرَةَ الْعَوْدَةِ،/ وَأَقاصِيًا،/ في سَهْبِ الْغِيّابِ،/ يَشْرُدُ،/ وَمِنْ أَعْلى جِسْرِ الْعُبورِ يُلْقي،/ في النَّهْرِ،/ بِذاكِرَةِ الْإِيّاب./ أَدْرَكَ،/ حَدَّ الْيَقينِ،/ أَنَّ ثَمَّةَ مَنْ يَسْبَحُ في الْيابِسَةِ،/ كَما لَوْ أَنَّها مَسابِحُ مِنْ تَوْقيعِ الْمحيطِ./ يَعيشُ في جُبَّةِ الْوَهْمِ،/ وَيُمْلي عَلى الْآخَرينَ الطَّريقَ./ (…)/ وَيَتَساءَلون،/ بَعْدَ أَنْ مَشَوْا الْعُمُرَ كُلَّهُ،/ لِماذا لَمْ يَصِلوا؟/ ما قَدَّروا،/ حَقَّ قَدْرِهِ،/ التِّرْحالَ،/ وَما أَدْرَكوا أَنَّ الطَّريقَ،/ وَإِنْ تاهَ،/ يُعَلِّمُ الْمَشّاءَ كَيْفَ يَمْشي،/ وَكَيْفَ،/ في الرِّئاتِ،/ يُدَبِّرُ الْمَسافَة./ قَدْ يُعَلِّمُهُ أَلّا يَتَعَثَّرَ،/ وَأَنْ يَتَحاشى الْمَطَبّاتِ وَالْحُفَر./ قَدْ يُعَلِّمُهُ الاهْتِداءَ بِنَجْمِ الْفَجْرِ الْمُنير،/ وَأَلّا يُخْطِئَ الْجِهات،/ لكِنْ لَيْسَ بِوُسْعِهِ أَنْ يُعَلِّمَهُ كَيْفَ جاءَ إِلى الْمشْيِ/ وَالْمَمْشى،/ وَما الغايَةُ؟/ كَما أَنَّهُ لَيْسَ بِمَقْدورِهِ أَنْ يُخْبِرَهُ بِما بَعْدَ الْمَشْيِ،/ وَما بَعْدَ الطَّريق”.
واختار الشاعر والمترجم نورالدين الزويتني، أن يفتتح قراءاته بقصيدة الى مراكش: “إلى مراكش القصدُ/ يقُضُّ ضلوعكَ الوجدُ/ إلى الحمراء مُعترِشا/ على أسوارها المجدُ/ إلى أهلٍ وخِلّانٍ/ صفا لك منهمُ الودُّ/ (…) ودار الشعر جوهرة/ بغرَّةِ تاجها تبدو”. وفي مديح الأم، وضمن ما تفتحه شعرية الذاكرة قرأ الشاعر نورالدين الزويتني من ديوانه، الصادر حديثا، قصيدة “نم ياولدي نم”: ” هناك… / بهيئتها الكازاخية / الرشيقة رغم تقدمها في العمر/ ويديها الأمازيغيتين المعروقتين/ وبعد أن تزيح عن كاهلي/ كيس خساراتي/ الثقيل / وتمسح وجهي الأغبر / تُسَجّيني إزاءها / كغريق يطفو قريرا / فوق خشبة/ لأرقد، ناكسا عيْنَيَّ المفتوحتين على سعتهما/ متفاديا، مع ذلك، النظر/ إلى الوجه الأليف كموقد نار / في العتْمة/ حتى لا تتطاير كبدي / شظايا،/ فيما هي، بيديها / المنمنمتين بالوشوم كطِرْسِ الراهب/ تمسك جبيني/ وبنبرةِ مُرضِعةٍ/ في مقتبل الأمومة تنشد: / “نَمْ يا ولدي نَمْ!” “
الشاعر عماد أفقير والمتوج أخيرا بالجائزة الذهبية للقوافي في الشارقة ومهرجان الشعري العربي (2024)، خص قصائده للقدس والحب وفي المديح. يقول في قصيدته “لا تـقـفْ صـنـما”: “أسرج حروفك وافْلِتِ اللجمَا/ وارْكَبْ ضميرك واعتلِ القممَا// واصْقُلْ مشاعرك التي صدئت/ بالذل… بعت الحرف والقلمَا// جفت مدامعك التي شهدت/ طفلا يجاري الموت والحلمَا// يتلو صلاة العيش في يمنٍ/ أو ضاربا في شامنا الخيمَا// أو قابضا في القدس جمرتَهُ/ يُهدِي الجُنَاةَ حصى غدتْ رُجُما// لا وقتَ للأفـراحِ في وطـنٍ/ فالموت فـوق ظهـورهـم سـنـمَا// أوجاعُـنَـا نُـسَـخٌ مُــكَــرَّرةٌ / وجراحُنا دَسَّتْ، هنا..حُمَما// وخسيفتي أني امرؤ حَـدِبٌ/ هــلّا أزحتَ الغـمَّ والألـمَــا؟// ما الـشِّعـرُ إلا زَفْـرةٌ لفحتْ/ قلبَ الكـئـيبِ، فـبانَ ما كـتَـمَـا// أو رِيشَـةٌ رَسَـمتْ سَـعادتَـهُ/ فـاطْمَحْ بحرفِـكَ، لا تـقِــفْ صَنما”
وقدمت الشاعرة زينة بوحيا، والمتوجة بأحد جوائز مسابقة وزارة الشباب والثقافة والتواصل، قطاع الثقافة، للشعراء الشباب الدورة الأخيرة في عاصمة الأنوار الرباط، والتي ظلت حريصة على دخول مغامرة الكتابة الشعرية “الزجلية” من أسئلة الحرف والكتابة، جرأة مدهشة لصوت إبداعي شاب، يغامر ويحلق بين مجازات اللغة.. قصيدتان هي القراءة/ العرض والذي أصبغ على النصوص الزجلية، حسها الوجداني القريب من الجمهور، تقول: “شلا لغا يبكي سمعتْ/ شحال عضيتْ في الترابْ/فاش طحتْ/ ؤُ شحال ردخوني حيوووطْ الوقتْ/ گلت لعقل تفرج هههههههه/ كنجرب في صبري”.
وزع الحضور “فعل التلقي” بين مقامات القصيدة ومقامات السحر، في حوار الشعر والموسيقى ضمن مؤانسات شعرية، حيث التقي الشعراء والفنان المنشد مراد أشفاج، للاحتفاء بلحظة ثقافية ومعرفية، تواصل من خلالها دار الشعر بمراكش الاحتفاء بأصوات شجرة الشعر المغربي الوارفة، هذا الفضاء الرمزي الذي جمع الشعراء المغاربة من مختلف الحساسيات والتجارب، والذي يسعى دوما الى تجديد لبرمجته الثقافية وسعي دؤوب لمنظور جديد يراعي تداولية أوسع للشعر بين متلقيه..
طنجة الأدبية