رحل الفنان التشكيلي والفوتوغرافي والسينمائي المغربي محمد أبو الوقار (1946- 2022) عن عالمنا يوم الخميس فاتح شتنبر الجاري بروسيا مخلفا وراءه العديد من اللوحات التشكيلية والصور الفوتوغرافية وبعض الأفلام.
من بين هذه الأخيرة فيلمه السينمائي الروائي الطويل اليتيم “حادة” (1984)، الذي حصد به ست جوائز وتنويهان بالدورة الثانية للمهرجان الوطني للفيلم من 15 إلى 22 دجنبر 1984 بالدار البيضاء، وهذا رقم قياسي لم يتم تجاوزه لحد الآن. فبالإضافة إلى التنويه بمصوره الراحل مصطفى استيتو وبالسكان القرويين المشاركين فيه، فاز فيلم “حادة” بالجائزة الكبرى وجائزة الإخراج وجائزة السيناريو (التيجاني الشريكي ومحمد أبو الوقار) وجائزة التشخيص إناثا (الطفلة اليافعة زهرة أوباها) وجائزة الديكور (أبو الوقار والشريكي) وجائزة الصحافة. وقد منحته هذه الجوائز كلها لجنة تحكيم ترأسها الكاتب الطاهر بنجلون وضمت في عضويتها إلى جانبه كلا من السيناريست فريدة بن اليازيد والمبدع الراحل المتعدد المواهب أحمد البوعناني والتشكيلي الراحل محمد شبعة والموزع حميد المراكشي ومدير التصوير الراحل محمد السقاط والمحامية لطيفة الفيلالي أمين.
فهل بالإمكان إعادة عرض هذا الفيلم الجميل بالدورة 22 لمهرجان طنجة، بعد 38 سنة من إنتاجه، لإتاحة فرصة مشاهدته لأجيال من السينمائيين والسينفيليين الشباب وغيرهم الذين لم يتمكنوا لحد الآن من معاينته، خصوصا وأن هناك احتفالا بالذكرى الأربعين لميلاد المهرجان الوطني للفيلم (1982- 2022)، وذلك احتفاء بمبدعه بمناسبة رحيله ونحن على مقربة من حفل الإفتتاح؟ وهذا يدفعني إلى تساؤل ثاني هو: أليس هناك تفكير جدي من طرف إدارة المركز السينمائي المغربي والوزارة الوصية على قطاع السينما في التعريف بكلاسيكيات السينما المغربية على نطاق واسع والترويج للركام من الأفلام المغربية المتوفرة في الأرشيفات (إن وجدت طبعا) عبر منصات رقمية خاصة (بمقابل أو مجانا) أو تظاهرات سينمائية أو شاشات قنواتنا التلفزيونية أو عبر إعادة الروح من جديد لخزانتنا السينمائية بالرباط، التي دخلت في سبات عميق منذ سنوات، وذلك ليتمكن الجميع من الإطلاع على مختلف الأفلام المغربية والتفاعل معها نقديا وإعلاميا وبحثيا…
وفي انتظار التجاوب مع هذين التساؤلين، لا تفوتني الإشارة إلى أن “حادة” فيلم له خصوصيته وفرادته بين أفلام ثمانينات القرن الماضي، فبغض النظر عن قصته وما تتضمنه من صراع بين الخير والشر ومعطيات من سيرة مخرجه وحكم مستخلصة من التجربة الإنسانية، فهو مكتوب بطريقة لا تخلو من إبداع وتمكن على مستويات عدة. ولعل ما يلفت نظر المتلقي فيه هو هيمنة البعدين التشكيلي والفوتوغرافي في تصويره وإخراجه، والمزاوجة في حواراته التي كتبها التيجاني الشريكي بين العربية الفصحى (التعليق والشعر) والعامية وقليل من الفرنسية والأمازيغية. زد على ذلك أن جل من شخصوا أدواره ليسوا من الممثلين المحترفين باستثناء الممثلة والفنانة التشكيلية العصامية مليكة مسرار وغيرها، ورغم ذلك نجح المخرج أبو الوقار في إدارتهم بشكل جيد، الشيء الذي جعل أداءهم تلقائيا أمام الكاميرا وخصوصا الطفلة اليافعة زهرة أوباها (في دور حادة).
الفيلم من بدايته إلى نهايته يزخر باللقطات/اللوحات التشكيلية التي احتفى المخرج من خلالها بالفضاءات القروية الداخلية والخارجية وبالمعمار واللباس ومنتوجات الصناعة التقليدية وغيرها من مكونات الثقافة المغربية الأصيلة، فمن خلال قطع الديكور والأكسيسوارات وملابس الشخصيات وغيرها نلمس أننا في بيئة ثقافية مغربية قحة. ورغم الإيقاع البطيء نسبيا للفيلم، الذي يتماشى مع إيقاع الحياة في البادية، فقد استطاعت كاميرا الراحل مصطفى استيتو وعين المخرج أبو الوقار أن تخففا من ذلك بالتركيز على الوجوه والألوان والأبواب والجدران والنقوش والفضاءات الطبيعية وغير ذلك من مكونات الحياة اليومية لتبدعا لنا صورا ممتعة بصريا ومنسجمة مع الأصوات (الحوارات، الموسيقى، الأشعار والتعاليق…) المصاحبة لها.
فيلم “حادة” لا يختلف عن باقي أعمال أبو الوقار التشكيلية وغيرها، فكل هذه الأعمال تزخر بالشخصيات والرموز المستعارة من الثقافتين العربية والأمازيغية، يعيد تشكيلها من منظوره الخاص.
يذكر أن محمد أبو الوقار، المزداد بمراكش سنة 1946، حاصل على دبلوم في الإخراج من المعهد العالي للسينما بموسكو، الذي تابع به دراساته الجامعية من 1966 إلى 1973، قبل أن يلتحق سنة 1974 كمخرج، وإلى حدود سنة 1977، بالمركز السينمائي المغربي. استفاد أيضا في الفترة 1978- 1981 من تداريب بالمعهد المذكور بموسكو وباستوديوهات “غوركي”، وظل يمارس الرسم منذ مراهقته إلى حين وفاته يوم فاتح شتنبر 2022 بمدينة إليكنروستال، التي تبعد عن موسكو شرقا بحوالي 60 كلم، ويعرض لوحاته التشكيلية على امتداد عقود خارج المغرب وداخله. وبالموازاة مع ذلك تفرغ أيضا لفنون الفوتوغرافيا والفيديو، خصوصا بعد انسحابه من عالم السينما.
تتكون فيلموغرافيته، بالإضافة إلى أفلام وثائقية حول الفن التشكيلي جمع فيها بين المسرح والشعر والتشكيل، من العناوين التالية: “المرآة المسحورة” (1994)، فيلم روائي قصير بالفيديو (25 د)، “حادة” (1984)، فيلم سينمائي روائي طويل (107 د)، “مدينة الذكرى” أو “وجوه من مراكش” (1977)، وثائقي سينمائي، “القتلة” (1971)، فيلم التخرج من معهد موسكو انطلاقا من قصة قصيرة للأمريكي إرنيست هيمينغواي (24 د).
أحمد سيجلماسي