أجرى الحوار محمود أبو حامد :(صحفي وكاتب فلسطيني)
تقديم :
سعيد بوخليط ،باحث ومترجم من المغرب.
*أصدر،المؤلفات التالية :
– غاستون باشلار : عقلانية حالمة. منشورات جريدة الآفاق المغربية، مراكش 2002)).
– غاستون باشلار : نحو أفق للحلم. دار أبي رقراق للنشر الرباط (2005) .
– غاستون باشلار : بين ذكاء العلم وجمالية القصيدة. منشورات فكر، الرّباط (2009).
– العقلانية النقدية عند كارل بوبر،أفريقيا الشرق، الدار البيضاء (2009).
– غاستون باشلار:نحو نظرية في الأدب .دار الفارابي. لبنان(2011).
– المتخيل والعقلانية دراسات في فلسفة غاستون باشلار :منشورات ضفاف ومنشورات اختلاف(2013).
-غاستون باشلار مفاهيم النظرية الجمالية عالم الكتب الحديث الأردن(2012).
-نوابغ سير وحوارات.ترجمة وتقديم. عن منشورات جداول.بيروت.لبنان.(2012).
– قضايا وحوارات بين المنظور الأيديولوجي والمعرفي. منشورات جداول بيروت-لبنان( .( 2014
-بين الفلسفة والأدب: دراسات وسير- دار الحامد، الأردن.( 2014) .
-يوميات حالم مغربي :المنشورات الاليكترونية لموقع أي-كتب(2015) .
-أعلام وقضايا وأحداث على غير المألوف : دار الحامد للنشر والتوزيع،الأردن (2016).
– تأملات في بعض يوميات التردي العربي وتحديات التغيير: دار الحامد للنشر والتوزيع،الأردن (2016)
-أمي الحبيبة : من بودلير إلى سانت إيكزوبيري، رسائل أدباء .دار مها للنشر والتوزيع والترجمة، مصر(2017).
-آفاق إنسانية لامتناهية حوارات ومناظرات :عالم الكتب الحديث،الأردن (2018).
-مفاهيم رؤى مسارات وسير نصوص رائدة : عالم الكتب الحديث الأردن(2020).
-إيحاءات قرائية وحوارات نصية : عالم الكتب الحديث الأردن(2020).
-في سوريا :دار خطوط للنشر والتوزيع(الأردن)( 2020).
-مختارات للحاضر والمستقبل : دار خطوط للنشر والتوزيع(الأردن)( 2020).
– همسات نفسي، بخصوص بعض مايجري : دار تأويل العراقية-السويدية(2020) .
-رسائل ألبير كامو إلى ماريا كازارس : دار ماركيز للنشر والتوزيع(العراق)(2021).
-جوليا كريستيفا مسارات الفكر والحياة : دار خطوط وظلال (الأردن)(2021).
-أخبار جديدة من حقنا التطلع إليها.. مقالات في سجالات الفكر المعاصر : دار خطوط وظلال (الأردن)(2021).
-بربرية العالم المعاصرحوارات ومساجلات ومطارحات عالمية :دار خطوط وظلال (الأردن)(2021).
س-مابين الترجمة كصنعة وحرفة ومعرفة عميقة وشاملة باللغة والترجمة كإبداع.كيف يمكننا التفريق بين مترجم وآخر. ثم بين الترجمة للسرديات والشعر والترجمة للفلسفة السياسية وغيرها؟وهل خيانة الأمانة تحدث في الشعر أكثر من باقي الأجناس؟
ج-نعم. وأضيف الترجمة شغف وعشق ودَأَب ثم تمرس وصناعة في نهاية المطاف. غير،أن مفهوم الصناعة يبتعد بالمعنى المتوخى عن المفاهيم التقليدية ذات النزوع العلمي الساذج،بل القصد تظل الترجمة رحلة معرفية طويلة،لايتوقف ذهابها وإيابها المستمرين خلال الفصول وعلى امتداد اليوم،من خلال آفاق عدة ومتعددة يفتحها النص الواحد –لاسيما النصوص العتيدة والعنيدة-عبر الإحالات والهوامش والسياقات والأطروحات والمعاني والأعلام والمعجم،إلخ.تصور من هذا القبيل،لعملية الترجمة،والأخيرة بالمناسبة ليست بالعملية القيصرية؛مثلما يعتقد غالبا،لكنها تعكس أساسا ولادة طبيعية منسابة أو بالأحرى فالترجمة جامعة حينها بين المتعة والمكابدة والخلاص،وفق تآلف سيمفوني خلاق،بحيث يعيش المترجم مختلف الحالات العقلية والوجدانية مع النص الواحد.أريد القول،أن أساس التفاضل النوعي بين مترجم وآخر،يكمن في مستويات معايشة النص المتوخى ترجمته ضمن ممكنات حياته. من هنا،ألح دائما على ضرورة تشكل شاعرية الشغف وشعرية الاستئناس قصد الانتهاء إلى نتائج موحية. أما وضع الترجمة تحت الاكراه،لأي سبب من الأسباب،فلايؤدي غالبا سوى لنتائج عكسية،حتى مع توفر عامل التمرس.العامل النفسي الحاسم في هذا الإطار،حسب اعتقادي،يعود مقياسه إلى عدم إحساس القارئ بتباين للهوية واتساع للهوة بين الأصلي والنسخة.يفرض عليك النص الجديد/المترجَمِ هوية واحدة،رغم السفر والانتقال من ضفة لأخرى، ثم أحيانا، وياللمفارقة العجيبة !قد يكون نص الترجمة أفضل كتابة وتنضيدا للبنيات التركيبية والدلالية من النص الأصلي،مثلما يحدث العكس، بحيث تسيء الترجمة كثيرا للنص الأم فيغدو الفعل جريمة متكاملة الأركان.لذلك،يفضل بعض الكتَّاب ترجمة نصوصهم بأنفسهم تجنبا لأيِّ متاهة،أو ترشيحهم مترجما يثقون في عمله،أو يرفضون رفضا باتا إخراجها إلى الجمهور،قبل اطلاعهم عليها وإعادة صياغة مايلزم صياغته.
أما بخصوص الشق الثاني من سؤالكم،فالاختلاف قائم بالمطلق على مستوى تصور الترجمة بمختلف مقومات عدَّتها المعرفية والمنهجية،حينما تجد نفسك أمام نص سردي أو شعري وكذا انتمائه لهذا الحقل أو ذاك.للخروج من هذا المأزق،وجب التأكيد على وجود ثوابت ومتغيرات تصاحب الترجمة باعتبارها قراءة، تأويلا، كتابة ثانية.تتمثل الأولى،في ضرورة حضور الشغف،مثلما قلت سابقا،لأنه السند الوحيد قبل وبعد كل شيء،ثم الاستئناس لفترة طويلة بطبيعة المجال المتوخى ولوجه قصد تمثل وفهم مايجري.
س-اقتبس الكاتب الفرنسي مورياك،عن المترجم موريس إدغار كويندرو التعريف التالي :”المترجم قرد الروائي”.ويضيف الفيلسوف الفرنسي موريس بلانشو بخصوص المترجم :”إنه سيد الاختفاء بين اللغات”فماذا يقول الدكتور سعيد بوخليط كمترجم؟
ج-في رأيي،مستندا إلى تجربتي،يبدو المترجم ككاتب مستقبلي يعيش تحت الوصاية،أو مشروع مؤلف بصدد امتثاله لفترة تمرين غير محدد زمنها،قد تطول أو تقصر،وربما توقف سعيه منذ البداية،تبعا لأهداف قصده من العملية برمتها.كيف ذلك؟حينما تختبر الترجمة لفترة طويلة، تشرع ضمنيا في البحث من جديد عن القدرات الذاتية لكتابة شخصية،وليست ”استنساخا”لخطاب كاتب ثان. مادام ورش الترجمة،على الأقل حسب التصور القائم من الوهلة الأولى،يستدعي فقط توفر نص مكتمل،جاهز من ألفه إلى يائه،فوق الطاولة تلزمه مجرد إعادة نقل وتحول هوياتي وجهة اللغة التي تريد.إذن،المطلوب فقط،امتلاك معجمين لغويين وورقة وقلم،ثم انطلاق القراءة وتدبيج الصياغات الجديدة،دون الخوض هنا في مسألة المعنى،التي تتقاطع كما نعلم عند تصورين،هناك فريق من المترجمين يتمسك برؤية أصولية محضة إن صح التعبير،بحيث يشتغل على معجم الكلمات حرفيا مؤولا المعنى حسب متوالية خطية،تبعا لحصيلة تلك الكلمات.بينما،يراهن فريق ثان،على مجرد استيعاب للمضمون ثم كتابته بحرية تركيبية.عموما،الفكرة التي أرغب في طرحها،تلك المتصلة بمستويات الإبداع الحقيقية،انطلاقا من الرهان على التأليف أو الترجمة؟ لاسيما،بالنسبة لمن قطعوا مع التأليف وتفرغوا تماما لمهام الترجمة.هل المترجم مجرد كاتب فاشل؟قياسا على تداعيات تلك المقولة التعليمية الشهيرة الناقد كاتب فاشل؟طبعا لاأتفق تماما مع الوصفات الميكانيكية الجاهزة،لأن المسألة أعقد بكثير ومتداخلة جدا،مع ذلك،يشغلني هذا الهاجس : لماذا ألجأ إلى ترجمة نص معين، ولم أكتف فقط بقراءته،بحيث أضع اسمي تعسفا بجانب صاحبه الأصلي.هل أردت ضمنيا أن يكون لي قبل غيري؟
س-تعقيبا على ما سلف،هناك من يرى بأن هدف الترجمة التعبير بالضبط عن دلالات ومعنى كل كلمة وعبارة في النص الأصلي.من يرى أن الهدف يكمن في إنتاج نص لايقرأ كترجمة وإنما كنص جديد بنفس روح إصداره الأصلي.أين ذلك عند الدكتور بوخليط وبين تباينات اللغات وماتحمله من مفارقات؟ما الصعوبات التي تلاقيها أثناء الترجمة؟
ج–أعود ثانية ودائما،لاستلهام ترياق الشغف وسحر الرغبة العاشقة،باعتبارهما مدخلين جوهريين لاغنى عنهما بتاتا،قصد تبلور مفعول القدرة الذهنية والنفسية على المصاحبة اليومية،بهدف تذليل مختلف الصعوبات التي تواجهك بها تضاريس وأرخبيل النص المأمول اقتحامه.الانطلاق من محفزات تشعرك بالارتياح،يمنحك قدرات على القراءة والإصغاء بصفاء روحي، يسمو حتما على باقي الدواعي المادية،تحديدا الرهانات التجارية ذات الربح السريع،مما يساعد كثيرا على تقديم منتوج في نهاية المطاف يحترم بكيفية حضارية، كيان وذكاء وحواس مختلف الأطراف المتعاقدة : النص،الكاتب،المترجم القارئ.
بالتأكيد، تواجهني كباقي المترجمين صعوبات شتى،لأني شخصيا أنتمي إلى مدرسة العصاميين والتكوين الذاتي بحيث لم أدرس قط الترجمة داخل فصول مؤسسة معينة،ولم أتلق مثلا تكوينا نظريا ومنهجيا،إذا أردنا الامتثال للأعراف والقواعد الأكاديمية المتفق عليها،مثلما لم أحضر في يوم من الأيام لقاء للترجمة سواء هنا في المغرب أو خارجه،ولم أشارك في أيِّ مؤتمر للترجمة،ولا علاقة تجمعني من قريب أو بعيد بأيِّ جماعة أو هيئة أو مؤسسة أو دار نشر إلخ.جل ما راكمته غاية الآن،بخصوص مخططات تهم باقي مشاريعي المستقبلية،المطروحة يوميا على مكتب اشتغالي،قوامها رغبة ذاتية خالصة.بالتالي،أعتبر ترجماتي بجانب طبعا باقي أبحاثي وكتاباتي التأليفية،انعكاسا وتجليا مرآويا لتاريخ مسار حياتي.
س-مابين المهني والمؤسسي والفردي،تتراوح نوعية الكتب التي يختارها المترجم،وحرية هذا الاختيار فكيف كانت بداية علاقتك مع الترجمة وماهي أهم الكتب التي ترجمتها ولماذا؟وكيف تتم المفاضلة بين مؤلف وآخر،أو بين عمل وثان؟
ج-إذن،استطرادا على ماسبق،مثلما توخيت دائما على مستوى حياتي الشخصية الإبقاء على جوهر حريتي نقيا، سليما،معافى،سينطبق الأمر بذات الثقل على الأسماء والأعمال التي أرغب في الانتقال بها إلى سياق لغتنا العربية.تعود شرارة البداية إلى مقالة صغيرة حول الصورة الشعرية للفيلسوف والعالِم غاستون باشلار،بحيث كان تصوره للأدب والشعر موضوع أطروحتي للدكتوراه،الرسالة التي ناقشتها بكلية الآداب/جامعة القاضي عياض،بداية الألفية الثالثة.أرسلت المقالة دون توقع كبير إلى مجلة “فكر ونقد”،التي أشرف عليها غاية وفاته أستاذ الأجيال،المفكر محمد عابد الجابري.بعد شهرين حسبما أذكر،اكتشفتها ذات صباح منشورة ضمن مواد إحدى ملفات المجلة المخصصة لنظرية الأدب،تقارع مشاركات نقاد وكتاب مكرسة أسماؤهم بزخم آنذاك.ثم انطلق السعي جادا،فبدأت أترجم نصوصا ومقالات وحوارات ورسائل…، مما أسفر عمليا غاية الآن على عناوين هي:
*أمي الحبيبة : من بودلير إلى سانت إيكزوبيري، رسائل أدباء .دار مها للنشر والتوزيع والترجمة، مصر(2017).
*آفاق إنسانية لامتناهية حوارات ومناظرات :عالم الكتب الحديث،الأردن (2018).
*مفاهيم رؤى مسارات وسير نصوص رائدة : عالم الكتب الحديث الأردن(2020).
*إيحاءات قرائية وحوارات نصية : عالم الكتب الحديث الأردن(2020).
*في سوريا : دار خطوط للنشر والتوزيع(الأردن)( 2020).
*مختارات للحاضر والمستقبل : دار خطوط للنشر والتوزيع(الأردن)( 2020).
*رسائل ألبير كامو إلى ماريا كازارس : دار ماركيز للنشر والتوزيع(العراق)(2021).
*جوليا كريستيفا مسارات الفكر والحياة : دار خطوط وظلال (الأردن)(2021).
*أخبار جديدة من حقنا التطلع إليها.. مقالات في سجالات الفكر المعاصر : دار خطوط وظلال (الأردن) (2021).
*بربرية العالم المعاصر حوارات ومساجلات ومطارحات عالمية :دار خطوط وظلال (الأردن) (2021).
س-يؤكد المترجمون أن نقل الكتب من لغة إلى أخرى هو تطوير للغة نفسها،وفي الوقت نفسه دراسة للغة أخرى. فكيف تتحقق هذه المعادلة في النقل عن لغة ثانية؟
ج–الترجمة ورش متكامل،يمد صاحبه بأدوات معرفية عدة منتقلا به صوب منظورات وآفاق واعدة،غير مسبوقة.أما إنسانيا وقيميا،فهناك خصال نوعية نتعلمها مع درس الترجمة. تتمثل في :الانفتاح، المكابدة، والتواضع.تلزم الإشارة،إلى أن مسألة التمكن بل التفوق اللغوي،تبقى متباينة لدى المترجمين.لكن،الأكثر أهمية بهذا الخصوص،يكمن في ضرورة استيعاب سياق موضوع الترجمة بكيفية دقيقة،قصد الإحاطة بمختلف الملابسات والحيثيات.
بالتأكيد،تتطور اللغة القومية وتصبح أكثر إصغاء لما يجري حولها،كما تنتقل من مستوى التمركز النرجسي على ذاتها،كي تنخرط بعنفوان في سياقات التجربة الكونية من بابها الواسع،عبر مقتضيات الحوار والسجال والتناظر،مع لغات أخرى وثقافات إنسانية مختلفة.إذن،الترجمة أسّ بقاء اللغة على قيد الحياة،بحيث تغتني ذاتيا إبان لحظة إشعاعها الخارجي.
س-يبدو أن ثمة إجماع عند كل المترجمين على أنه لدينا مثالا مهما عن مدى روعة ودقة أعمال ترجمت عبر لغة ثانية،وهي ترجمة المرحوم سامي الدروبي لأعمال دوستويفسكي من الفرنسية إلى العربية… فهل قمت بترجمة إلى العربية كثالثة،وهل ثمة صعوبات واختلافات.
ج–يحتاج حديثنا عن سامي مصباح الدروبي إلى صفحات وصفحات،لأن منجز الرجل الذي قارب ثمانين عنوانا،جعل منه ”مؤسسة كاملة”حسب شهادة طه حسين.بفضل، اشتغاله الدؤوب بدون كلل؛اكتشفنا روائع دوستويفسكي، بوشكين، ميخائيل ليرمنتوف.مجلدات، ناهزت على سبيل المثال، إحدى عشرة ألف صفحة بالنسبة لدوستويفسكي، ثم خمسة آلاف أخرى فيما يتعلق بأدب تولستوي…فعلا، جاءت ترجمته عبر واسطة لغة ثالثة هي الفرنسية، لأنها اللغة الأجنبية التي أتقنها الدروبي،ولم يتحقق تواصله المباشر مع اللغة الأصلية.هكذا ف”خيانة” المترجِم،أراد أم انساق،تبلغ بالتأكيد مستوى ثانيا بوسعه إعطاء هامش أكبر للوقوع في الخطأ،قياسا لتلك الترجمة التي تعود إلى المورد والمنبع،هنا فقط يتضاءل سبب التضليل إلى درجة أقل،ولاأقول ينعدم.عديدة هي الترجمات التي أخفقت رغم انتفاء حمولة وساطة لغة أخرى،واستلهامها المصدر،والعكس صحيح،وحتما يجسد الدروبي،في هذا الإطار نموذجا إيجابيا.ولأن الشيء بالشيء يذكر،أود الإشارة إلى مثال ساطع يعكس بدوره هذا الإشكال،يتمثل في قراءتنا للفلسفة الألمانية من خلال الترجمات الفرنسية،بحيث تعرفنا عربيا على نصوص هيغل وماركس ونيتشه وهيدغر… بفضل إشعاع دور النشر الفرنسية الشهيرة.
س-تلعب المعرفة والثقافة والدراسات الأكاديمية دورا مهما في تطوير الترجمة وآلياتها ومرجعياتها ولكن هناك من يرى أن المعايشة اليومية للناطقين بلغة ما يقربك من روح اللغة وعاميتها ومعاجمها.مارأيك في ذلك وهل يمكن تعميم ذلك على كل الترجمات؟
ج–امتلاك ناصية أيّ لغة يقتضي توفر الرافدين معا،من جهة التحصيل الأكاديمي،ثم من جهة أخرى الانخراط اليومي في صحبة تلك اللغة ماديا وبكيفية حية عبر عنصري التكلم والتواصل الشفوي.سياق من هذا القبيل،يجعل اللغة حاضرة باستمرار؛منفتحة على التطور.أما علاقة ذلك بالترجمة،فهناك نصوص – السردية أساسا- تجد أغلب فقراتها ومقاطعها زاخرة بعبارات مرتبطة تركيبيا ودلاليا باللغة العامية وفحوى مضامين التداول اليومي،ولن تنفع في هذا الإطار شروحات المعاجم الأكاديمية،فيجد المترجم نفسه عاجزا عن وضع دلالات مقابلة.إذن،إتقان لغة وفهم منظومتها،اقتضى دائما اشتغالا ثنائيا،النظري والعملي، التكلم والكتابة،القاعدة والتطور،المؤسسة والشارع.
س-ماذا عن حركة الترجمة وتطوراتها في الوطن العربي بشكل عام والمغرب بشكل خاص.ماذا عن الترجمة من العربية إلى لغات أخرى؟وعن الجوائز العالمية “نوبل”مثلا كطريقة لتسليط الضوء على كاتب ما،كيف يتم اختيار الأعمال العربية من طرف الغرب،وهل ثمة انتقائية تشوب هذه الاختيارات؟
ج-سواء في المغرب وغيره من البلدان العربية،لازالت الترجمة تفتقد إلى الأفق المؤسساتي الكبير،الذي بوسعه تطوير وتثوير الإنسان والحجر. مانعاينه حاليا يظل فقط مجرد هواجس فردية معزولة ونزوعات شخصية أساسها شغف صاحبها أو أساسا لأنها مصدر رزق بالنسبة للعديد من المترجمين في إطار عقود أبرموها مع بعض دور النشر،أو هيآت فكرية،إلخ. بل حتى هذا الجانب على بؤسه،مثلما تكشف حكايات من هنا وهناك،لازالت تشوبه اختلالات كثيرة تقوض روح الطمأنينة المفترضة بين الناشر والمترجم،غير محكومة حقا بروح التعاقد القانوني والفكري وقبلهما الأخلاقي.لذلك، يقتضي مايحدث ثورة ثقافية نوعية،تضع لامحالة الترجمة في قلب التفكير المؤسساتي للمشاريع المجتمعية.ننتقل معها من العمل البدائي إلى الاشتغال على ضوء حوافز مشروع حضاري حقيقي،قوامه ومبعثه التطلع صوب نهضة تمس مختلف جوانب حياتنا السياسية والاقتصادية والمعرفية.فلا تطور يذكر،بدون أوراش الترجمة واشتغالات المترجمين على جميع الواجهات وانفتاح يلاحق اجتهادات مختلف الثقافات الإنسانية.نحن في حاجة ماسة إلى ترجمات ذات اتجاهين متقاطعين،من العربية وإليها،أفق يتطلب فعلا مخططا كبيرا حسب روافده اللوجيستيكية والابستمولوجية والايديولوجية.
س–تبرز إمكانات الترجمة كأداة لتحريك الراكد على مستوى النماذج المهيمنة في الدين والثقافة والسياسة وفي اللغة التي هي انعكاس لذلك كله.كيف يمكن لذلك أن يتحقق في حالة عدم التكافؤ الحاصلة بين اللغة العربية واللغات المترجم منها؟
ج– تحرك الترجمة المياه الراكدة،بوضعها موضوع مساءلة القائم محليا والمسيطر فكريا لعقود دون مساءلة تذكر،ليس بالضرورة أن تتم عملية التفكيك صراحة وجهرا،لكن فقط استيراد المفاهيم الدائم واللامتوقف عبر أوراش الترجمة،يؤدي ضمنيا إلى خلخلة المعتقد الديني والسياسي،والتحول بهما من مستوى العقيدة الجامدة أو الدوغما المتحجرة،كما الشأن معنا داخل أسوار هذه المجتمعات الشمولية والكليانية من الصباح غاية المساء،ثم من المساء حتى المساء ثانية،فتعود إلى حالتها الأولى باعتبارها مجرد وجهة نظر فردية قابلة للحياة والموت معا،حسب قدراتها البيولوجية على التفاعل مع محيطها الداخلي والخارجي.
س-المعجم منجز يفترض أنه يعكس نظرة اللغة وأهلها إلى العالم والعكس أيضا.كيف هو حال المعاجم العربية ولماذا لم تتطور؟والى أي نوع من المعاجم نحتاج أكثر؟بين قوسين”يرى البعض أن القرآن الذي حافظ على العربية حال دون تطورها أيضا.وثمة حاجة للمعاجم التاريخية والسياقية التي ترصد نشوء المفردات وتطورها”.
ج-يعود عدم تطورها إلى أصولية المنظومة الشاملة المسيطرة والماسكة بزمام الأمور،بحيث انتهت بمجتمعاتها في نهاية المطاف إلى مصحة نفسية لشيزوفرنيا عُصابية حادة، وعصية على الشفاء نتيجة التباين الابستمولوجي الصارخ،الذي تكرس بكل وسائل القهر المادية والرمزية،بين واقع مادي منفتح بأريحية مطلقة لأهداف تجارية،على مختلف مبتكرات العقل التكنولوجي الكوني،ثم تداولها العبثي والأبله،داخل محيط تائه فكريا على جميع المستويات،لازالت مرتبطة رؤية أفراده للعالم بأطر مرجعية تليدة ،مما أرسى معالم واقع مضطرب أبدى عجزه غاية الآن،عن تشكيل سياق سليم من الناحية المعرفية يثري جدليا منظومة ثقافية ناضجة ذهنيا ونفسيا:التراث/ الحداثة،الفردي/المجتمعي، الذات/ الآخر، الجسد/ الروح،الذكاء/الإحساس،الحميمي/العام،الوحدة /التعدد،القومي/ الكوني،وحدة المتعدد/ تعدد الوحدة…باختصار،مجتمعا يستحق حياته ووجوده.
أجرى الحوار محمود أبو حامد :(صحفي وكاتب فلسطيني)