احتضن فضاء دار البطحاء الجميل، ليلة السبت 26 يناير 2019، لقاءا سينمائيا حميميا مع المبدع حميد باسكيط، حضره ثلة من الفنانين والمثقفين والسينفيليين والجمعويين وغيرهم. تمحور هذا اللقاء الفني والثقافي، الذي نظمه المعهد الفرنسي بفاس بشراكة مع الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب(جواسم)، حول فيلمه الروائي الطويل الأول ” صمت الفراشات ” (2018).
في البداية رحب مدير المعهد الفرنسي السيد كريسطوف ستيير (Christophe STEYER) بالحاضرين وبضيف هذا اللقاء العاشر من لقاءات فاس السينمائية وشكر ” جواسم ” على تعاونها المثمر مع المعهد للتعريف بآخر الإنتاجات السينمائية المغربية وخلق نقاش بناء حولها بحضور مبدعيها.
وفي كلمته شكر رئيس ” جواسم ” السيد عبد الخالق بلعربي بدوره عشاق السينما بمدينة فاس على مداومة حضورهم لإغناء النقاش حول التجارب المغربية المبرمجة في هذه اللقاءات السينمائية الشهرية ورحب بالمخرج باسكيط والممثل منصور بدري، كما شكر المعهد الفرنسي في شخص مديره ومساعده السيد إبراهيم زرقاني، المسؤول عن العمل الثقافي، وتمنى للحضور النوعي فرجة ممتعة.
بعد هاتين الكلمتين الترحيبيتين عرف منشط الحفل الباحث والمخرج بوشتى المشروح بضيفي اللقاء وبالفيلم المبرمج وأعطى الكلمة للمخرج حميد باسكيط الذي عبر عن سعادته بتواجده بفاس مع ثلة من السينفيليين وشكر المنظمين وأشار إلى أنه على أتم الاستعداد للإجابة عن تساؤلات واستفسارات الحاضرين والحاضرات بعد عرض الفيلم.
عرض فيلم ” صمت الفراشات ” (90 د) في ظروف جيدة وتمكن من شد انتباه المتلقين من بدايته إلى نهايته، نظرا للمجهود المبذول فيه على مستويات عدة : كتابة وتشخيصا وتصويرا وموسيقى وإيقاعا وديكورا … ومباشرة بعد ذلك فتح باب النقاش وشارك فيه نقاد وأساتذة وصحافيون وفنانون ومهتمون وغيرهم . استمع المخرج حميد باسكيط بإمعان إلى كل المتدخلين وفي الأخير أجاب على كل الأسئلة المطروحة برحابة صدر وتمكن ووضوح، الشيء الذي ساهم في التعمق أكثر في فهم بعض تفاصيل الفيلم وجزئياته وخلق متعة ثقافية إلى جانب المتعة الفنية التي شعر بها المتجاوبون مع هذا النوع من الأفلام التي تجمع في بنائها بين الدراما النفسية والدراما الإجتماعية والمسحة البوليسية .
ويمكن إجمال أهم التدخلات والملاحظات والإجابات فيما يلي:
1، موضوع الفيلم:
لوحظ تنوع في التيمات المتناولة في الفيلم (البيدوفيليا ، العلاقة المتوترة بين أم وابنتها، جريمة قتل والبحث عن مرتكبها..)، وأن هذا التنوع أملته طريقة الكتابة التي اختارها المخرج ليشد المتلقي ويخلق لديه نوعا من التشويق (على الطريقة الهتشكوكية) منذ البداية إلى أخر مشهد في الفيلم. فالسيناريو الأصلي كتبته نادية هدى وأعاد كتابته المخرج حميد باسكيط بمساعدة السيناريست محمد العروصي، وذلك ليتماشى مع رؤيته الإخراجية وأسلوبه في السرد.
2، أدوات التعبير:
من نقط القوة في الفيلم التشخيص والتصوير والموسيقى… فالممثلون في مجملهم، رغم التفاوت النسبي الملحوظ بينهم، كانت إدارتهم جيدة، وهذا ما جعل معظمهم جد مقنعين في أدائهم لأدوارهم، ولعل الشابة البرتغالية المغربية سارة بيرليس كانت أقواهم على الإطلاق.
أما التصوير، الذي أداره الإيطالي إنريكو لوسيدي (Enrico Lucidi)، فقد أمتع العين وأظهر الدار البيضاء من زوايا عدة في حلة جميلة ، فلا أحد يجادل في قوة لقطات ومشاهد هذا الفيلم وقدرتها على التعبير ببلاغة واضحة.
الموسيقى .. لم يكن توظيفها اعتباطيا بل كان كل مقطع منها يوظف للتعبير عن أحاسيس وحالات نفسية معينة. وقد شكلت هي أيضا نقطة قوة، خصوصا إذا علمنا أن ورائها مبدع كبير من أصل نمساوي هو وولفكانك فانك (Wolfgang Funk).
3، الإيقاع:
تمكن جوليان فوري (Julien Fouré)، مركب الفيلم الفرنسي، من خلق إيقاع متوازن تناسب مع أحداث الفيلم وطابعه البوليسي، الشيء الذي لم يخلق مللا لدى المتلقي.
وبشكل عام يمكن القول أن قوة فيلم ” صمت الفراشات ” نابعة من الخبرة النظرية والميدانية التي راكمها المبدع حميد باسكيط على امتداد ما يقارب ربع قرن من الزمان، فبعد تخرجه من المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط (1987 – 1991) اشتغل في المسرح (مخرجا) وفي السينما الوطنية والأجنبية (ممثلا ومساعدا في الإنتاج…) وأخرج أفلاما وثائقية وروائية للتلفزيون وفيلما سينمائيا قصيرا جميلا ” آخر صرخة ” (2006)، كما عمق معارفه في الإخراج والإنتاج بالديار الإيطالية … فهنيئا لنا بفيلمه الجميل ” صمت الفراشات ” في انتظار أعماله الفنية القادمة.
من فاس : أحمد سيجلماسي