** رغم مرور عقود من الزمن فإن بلادنا مازالت لم تحسم معركة التعليم!. والتعليم كما يعلم الجميع يعد مدخلا أساسيا لأي تقدم تطمح إليه الشعوب، ومخرجا لأي محنة يمكن أن تقع فيها الدول.. إنه طوق النجاة تمسكت به كثير من الأمم فأصبحت رائدة في مجالات شتى علمية وأخلاقية واقتصادية وتشريعية. ولم تعره دول أخرى كبير اهتمام فأضحت مجرد كيانات ضعيفة وهشة وغير قادرة على مواكبة تطورات العصر، بل مهددة بمزيد من عوامل التخلف والفقر والمرض والزوال أيضا.
لذلك، نتساءل مرة أخرى، عن مدى وعي أبناء بلادنا بأهمية هذا المرفق؟ وعن مكونات نظرتهم إليه؟ وعن طبيعة مقترحاتهم لتطويره والارتقاء به وجعله رافدا من روافد التنمية والبحث العلمي والتقدم والحضارة؟.
إن ما نتفق عليه اليوم بشأن التعليم، هو: ضرورة تغيير أوضاعه! لا أحد يجادل في هذه البديهة! غير أننا نختلف حول الطريقة! وحول الشروط والآليات والأهداف! وما نأسف له، هو أن الاختلاف قائم بين فئتين إثنتين، أولها أصحاب المصالح السياسية والاقتصادية، والفئة الثائية أصحاب الاختصاص والخبرة. وفي هذا السياق يرى كثير من السياسيين وأصحاب التجارة والرأسمال الصناعي أن تعليمنا يجب ربطه بالفرنسة وفرنسا: تربية وأخلاقا حضارية وتكوينا. والملاحظ في هذه الفئة أنها لا تتقن لغة إلا الفرنسية، وأنها لا تحسن التفكير في حل مشاكل الدولة والمجتمع إلا من خلال اللغة والفكر والتاريخ الفرنسي.
بينما يذهب الخبراء وأصحاب الاختصاص إلى أن تعليمنا بات اليوم مطالبا باستحضار اللغة الوطنية العربية أولا، ثم الأمازيغية بشكل تدريجي؛ في مجال التنمية الشاملة، ومنها، بطبيعة الحال، منظومة التعليم والتربية والتكوين، منوهين بالدول الصاعدة اقتصاديا اليوم، لكونها اعتمدت في نهوضها العلمي والتقني والحضاري على لغتها الأم؛ ككوريا الجنوبية، وتركيا، والدول الاسكندينافية على سبيل المثال. لكنها تطرح بالمقابل شرطا ملازما لاعتماد اللغة الوطنية، كمفتاح لمشاكل المجتمع، (وهو) الاعتماد أيضا على اللغة الإنجليزية باعتبارها لغة العلوم والبحث العلمي والاقتصاد والحوار الحضاري.
إن معركة التعليم ببلادنا ينبغي أن تحسم بصورة نهائية وبعيدا عن أي تنازع أيديولوجي، أولا باستحضار ما ينص عليه الدستور المغربي الصادر سنة 2011م في مجال اللغات، ثم بضرورة إيلاء اهتمام أقصى للمدرسة العمومية قصد انتشالها من وضعيتها الكارثية وتصحيح مسارها التاريخي ورد اعتبارها: تجهيزا وموارد بشرية وبيداغوجية، ثم بالانفتاح على أهم لغات العالم الأكثر حضورا في الثقافة والتعليم والاقتصاد، ثم بالتحرر من أي وصاية استعمارية سواء في الفكر أو السياسة أو الاقتصاد.
وعليه، فإنه لا بد من التمييز بين لغة التدريس، وتدريس اللغات. وفي هذا الصدد إذا كنا لا نختلف حول ضرورة توسيع وعاء تعليم اللغات العالمية الحية من إنجليزية وصينية وإسبانية وبرتغالية وتوظيف وسائل مدرسية وإعلامية ودبلوماسية وغيرها في سبيل اكتسابها من جهة والتواصل مع العالم وثقافاته المتعددة من جهة ثانية، فإن لغة التدريس ينبغي أن تكون تعبيرا عن عمق هويتنا وأصالتنا وتاريخنا وثقافتنا.
طنجة الأدبية