وحده الصمت كان سيد الموقف في تلك اللحظة، وانا أستعيد شريط عمري، يعري ماضي أمامي، ماض بدون بسمة،وأمنيات استحالت إلى حبات رمل تذروها الرياح،لا عيد سعيد ولا عام جديد،وحيدا أموء كقطة فقدت صغارها، لا دفء ولا حياة، مثل جزيرة مهجورة، أتأرجح بين مطرقة الماضي و سندان الحاضر، يعصف الدوران بي كشجرة الصفصاف تقصمها الرياح، لا عزاء، غير لفافات التبغ والمحذرات والخمور، أوشكوا أن يجعلوا من حياتي صرخة في واد، قابعا في زورق أحلامي، أسرق الأميال على ظهر بحيرة تعاستي التي تتوسع شطآنها يوما بعد آخر، وعجلة الزمان تدور أمام عيني تطوي ما تبقى لي من أيام، كمركب بئيس يمضي بي تائها فوق وادي العمر، بعد أن سدت في وجهي كل الأبواب و تحاشاني الأهل و الأصحاب، جعلت من وحدتي الباردة جحرا اختبئ فيه إلى الأبد، غير أن خيطا رفيعا ينبثق من ذاكرتي يشدني مرة أخرى إلى الحارة أراودها وأستسمحها، استجمعت ما تبقى من قوة، وأنفاسي تتكسر و أنا أحاول الوقوف، انزلقت قدمي وهوى جسدي لأمكث وحيدا متقوقعا كسلحفاة عجوز غير عابئ بقسوة ليل بهيم و شديد البرودة.