لا تزال المصالح الأمريكية هي التي تحكم فعل العلاقات الدولية، تتخللها مصالح أوروبيه، حينا، وإسرائيلية أحيانا أخرى. من هذه المسلمة، ينطلق نزار القريشي في كتابه الجديد "مقارنة جيوسياسية في العلاقات الدولية"، وهو يناقش تطورات ملف الشرق الأوسط والرهاب الدولي من إيران، وقوتها النووية القائمة والقادمة، مرورا بمستجدات الوضع في أفغانستان والعراق، بعد أن وضعت الحرب أوزارها في البلدين وانتهاء بقراءة في أسرار ربيع الثورات العربية ولأسبابه المتراكمة، والتي وصلت منعطفا حد الانفجار.
هكذا، تحول ملف الشرق الأوسط، المنظور الأمريكي إلى شرق أوسط كبير، والذي يستهدف وصاية على كل العالم العربي الإسلامي، من المغرب إلى إيران، ولم تلق أنظمة مثل نظام زين العابدين بن علي في تونس، أو نظام حسني مبارك البائد في مصر، ولا النظام الفريد للعقيد الليبي معمر القذافي في الجماهير، لم يلق هؤلاء أي سند بمجرد ما تأكد للإدارة الأمريكية وحلفائها أن أولئك الحكام قد فقدوا سيطرتهم على الوضع، بعدما فقدت الشعوب ثقتها فيهم، ونولت إلى ميادين التحرير. ومقابل ذلك تبدو الولايات المتحدة الأمريكية ومن معها حريصة على أمن وسلامة الأنظمة والسلطنات الحاكمة في الخليج، ليس لأسباب اقتصادية ومالية فحسب، رغم أن الاوان هو أوان أزمة عالمية ضاربة وشاملة، بل لأسباب سياسية صريحة، وتتمثل في تقوية أركان جبهة سنية مركزها هو "دار الإسلام" في السعودية، في مقابل المد الشيعي الايراني، تحديدا. وباستثناء الانطمة التي يمكن لها أ، تقوي وتعضد هذه الجبهة السنية، تبارك الادارة الامريكية الثورات العربية وتتنكر لحلفائها الزعماء العرب، بالأمس. وهنا يرى مؤلف الكتاب أن الوضع في اليمن، ثم سوريا اليوم، أمام الادانات الدولية المتكررة والمحرضة على حكم علي عبد الله صالح وبشار الأسد، يفسر "ما جاء في خطاب أوباما حول الربيع العربي، ومدى إمكانية توسيع أفاقه، ورغبة واشنطن في تصدير الحالة إلى حدود طهران".
ومن المنطلق نفسه، يقرأ نزار القريشي الدعوة المفتوحة التي وجهها مجلس التعاون الخليجي وراعيته الرياض إلى كل من عمان والرباط ويرى مؤلف الكتاب أن هذه الدعوة جاءت "دون رغبة الرباط الملتزمة بخيار اتحاد المغرب العربي، وبتوسيع شراكتها مع دول الاتحاد الأوروبي" إنه نوع من الاصطفاف على ضفاف الجبهة السنية المذكورة، باعتباره مسلكا قويما لتفادي تكرار ما حدث في مصر وتونس، وما يحدث في ليبيا واليمن وسوريا. والحال أن"تردي الاوضاع الاقتصادية لدى الشعوب العربية نتيجة الفساد الذي ساد في الوطن العربي جاء سبب سيطرة النخب الحاكمة على المال العام في هذه الدول" يقول نزار القريشي، وهو ما يفسر، حسبه، "تنامي الحركات الاحتجاجية السائدة هنا وهناك".