لَكأنَّه يَنقصُ لبنانَ، وهو يَترنَّحُ بين وُجودٍ وعَدَم، واللُّبنانيِّين، وهم أسرى سياسيِّيهم والانسِياق الأعمى وراء هؤلاء، قلتُ، لَكأنَّه يَنقصُ لبنانَ واللُّبنانيِّين أنْ يَخسَرَ، ويَخسروا، يومًا بعدَ يوم، نخبةَ الأقلام الحرَّة المُتَنَوِّرَة، وخيرةَ المُفَكِّرين السِّياسيِّين، وصفوةَ المُحاوِرين والدِّبلوماسيِّين.
البارحةَ غادرَنا غسَّان التُّوَينيّ، حاملاً آلامَ دهرٍ قَسا، وحَسْرَةَ وطنٍ لا رؤيةَ لمُستقبلٍ فيه، واليومَ يُغادرُنا فؤاد التُّرك، تارِكًا ذاكرتَه إلى الأبد، وذِكراه لمُحبِّيه ومُريديه، ولَمَّا نتمَكَّنْ، بَعدُ، من تكريمه في "لقاء الأربعاء".
الرَّجلان رحلا بفارق أربعين، والرِّجالاتُ الرِّجالاتُ، في لبنانَ إلى تناقُصٍ مُرعِب. محمَّد البعلبكيّ، النَّقيبُ، بكى بالإمسِ تلميذَه التُّوَينيّ، وسعيد عقل، صاحبُ المئة ونيِّف، يبكي اليومَ تلميذَه التُّرك.
لبنانُ، يا سادة، يخسرُ مُفَكِّريه ورجالَ دولته، فيما فكرةُ الدَّولة فيه، والدَّولةُ ككلٍّ، إلى تَلاشٍ؛ وما يَدورُ حولَنا من أحداثٍ غريبةٍ عجيبةٍ أبرزُ دليلٍ على ما سَبَق.
وأمَّا اللُّبنانيُّون، فلم يَعُدْ لديهم، في غياب الكِبار، إلاَّ سياسيُّو الدَّرجتَين، الثَّانية و"التِّرْسو"، من أولئك العامِلين على شَرذمتهم، السَّاعين لخدمة الخارج، مباشرةً أو بتلاقي المَصالِح الآنيَّة البعيدة كلَّ البُعد عن مصالح الشَّعب والوطن.
وما يُخيفُ في الموضوع أنْ ما مِن جيلٍ جديدٍ من اللُّبنانيِّين أُعِدَّ أو يُعَدُّ لِتَسلُّم مِشعَل الكلمة النَّيِّرَة والعمل السِّياسيِّ الاستِشرافيِّ الرَّصين، بل مُجرَّدُ أتباعٍ لزعيمٍ تقليديٍّ و/أو صاحب مالٍ و/أو صاحب نفوذ.
غسَّان التُّوينيّ وفؤاد التُّرك يَبقَيان سَفيرَي الكلمة ولبنانَ حيث هما. ألا أنعمَ اللهُ على وطن الأرز بمِثلهما لِقيامةٍ مُقبِلَةٍ مُمكنَة.