إنطلقت عشية يوم الجمعة 08 يونيو في ساحة "باب المكينة" بمدينة فاس فعاليات مهرجان الموسيقى العالمية العريقة، بأوبريت إبداعية تحتفي بالشاعر الكبير عمر الخيام، شارك فيها فنانون من الهند وأوبزكستان وإيران وتركيا ومصر والمغرب.
وقد اختارت مؤسسة "روح فاس" تكريم الشاعر والعالم والفيلسوف عمر الخيام انسجاما مع الشعار الذي اختارته للدورة الحالية للمهرجان (الثامنة عشرة): "تجليات الكون" التي تعني ـ حسب مدير المهرجان الدكتور فوزي الصقلي ـ استكشاف إمكانية عقد صلات جديدة بالعالم الذي لم يعد فيه مكان للحتمية وسيادة الأمر الواقع، وتعني أيضا رأب الصدع الذي تشهده مجتمعاتنا من أجل استرداد مكانة الإنسان والثقافة والقيم الروحية.
أشرف على إخراج عرض الافتتاح الفنان الفرنسي ذو الأصول الجزائرية طوني غاتليف، الذي يقول إن هذا النشيد الموسيقي هو من إبداع أسلافنا، وقد وصل إلينا على امتداد عدة قرون، واستحق جدارة الانتماء إلى صميم الإبداع الإنساني ولاسيما إلى الثقافة الشرقية. كما تعتبر المطرب المغربية كريمة الصقلي هذه الأوبريت بمثابة "سفر عبر التاريخ حول الشاعر عمر الخيام"، يتم فيه استحضار إبداعات من عدة بلدان وحضارات للتأكيد على أن الموسيقى والشعر ينتميان إلى التراث الإنساني المشترك، بدل أن يكونا منحصرين في هوية أو جنسية ضيقة.
وعشية يوم السبت 09 يونيو احتضن فضاء "متحف البطحاء" عرضا فنيا لفرقة "جيبسي سنتيمونتو باغانيني" من هنغاريا، والتي تضم عازفين تربطهم أواصر عائلية، يقدمون معزوفات متوارثة من جيل إلى جيل، مستلهمة التقاليد الغجرية العريقة. وبذلك، فالموسيقى التي تقدمها هذه المجموعة ـ كما يقول أحد أفرادها الفنان فوركوش يانوه ـ تنطلق من خصوصيات محلية، لتعانق رحاب العالمية، من خلال العديد من المهرجانات الفنية التي شاركت فيها الفرقة.
كما أقيم في نفس اليوم في فضاء "باب المكينة" عرض لمجموعة "الغوسبل" الأمريكية، من توقيع الفنان أرشي شيب الذي يعد شخصية بارزة في عالم الجاز والبلوز، وهو عازف على آلة الساكسوفون ومغن، يحافظ ـ بمعية ثلة من أمهر العازفين ـ على روح الموسيقى الأمريكية التي يعزفها السود.
ومن بين الحفلات الأخرى التي يتضمنها برنامج المهرجان حفلا لفن السماع، سيحييه منشدون من دول عربية مختلفة: سعيد حفيظ (مصر)، عمر الصابوني (سوريا)، (إبراهيم الحاج قاسم (الجزائر)، محمود فريح (تونس)، محمد باجدوب، عبد الرحيم الصويري، عبد الفتاح بنيس (المغرب). ويقدم المنشد المصري الشيخ ياسين التهامي قصائد لكبار الشعراء الصوفيين بأسلوب مسرحي. فيما سينشد مختيار علي من الهند قصائد للشاعر "كبير" تنضح بالعشق الصوفي وتسمو بالتفاصيل اليومية إلى مدارج الروح والتقوى. ومن بلاد السند، تشارك المغنية الباكستانية الشابة سنام مارفي، حيث تؤدي قصائد صوفية بأسلوب "الكافي" البنجابي الذي يزاوج بين التراثين السندي والسيخي. ومن الولايات المتحدة الأمريكية، تأتي مشاركة الفنانة الشهيرة جون بايز التي تعد جزءا لا يتجزأ من تاريخ الموسيقى الشعبية الأمريكية إلى جانب بوب دايلن، وهي تواصل مشوارها الفني العالمي بحرص دائم على تقديم فن ملتزم قوامه الكفاح من أجل حرية الإنسان. وتحت عنوان "نشيد الأناشيد"، يقام حفل فني احتفاء بالشاعر الراحل محمود درويش، حيث يلتقي الإنشاد الشعري بالعزف الموسيقي الراقي. فيما ستجمع إحدى أمسيات المهرجان بين النجمين العربيين وديع الصافي ولطفي بوشناق. كما ستصدح شاعرة الأطلس المتوسط الفنانة الشريفة بأغان من فن تماوايت.
وضمن المنتديات الفكرية لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، التي تقام سنويا تحت شعار "من أجل إضفاء روح على العولمة"، يحتضن متحف البطحاء جلسات نقاش تتمحور حول مواضيع "الشاعر والمدينة" و"أي مستقبل بعد الربيع العربي؟" و"الروحانية والمقاولة" و"هل هي أزمة مالية أم أزمة حضارة؟". كما تقام بالموازاة مع ذلك معارض فنية لكل من الفنانين: حسن مكارمي وليلى العراقي وعبد الرحيم الحساني وعمر الشنافي وكارولين فالتون، بالإضافة إلى محترفات فنية موجهة للأطفال والشباب.