إذا كان معظم النار من مستصغر الشرر فعلينا ألا نستهين بالأفكار المريضة التي تحبو في باديء الأمر ثم تنطلق مدمرة كل آيات الحضارة ومنظومة القيم والمباديء وهي الأفكار التي تبدأ بتنشئة الحقد والكراهية وتحث على الجهل والتخلف، بهذه الكلمات وجهت مجلة العربي كلمتها إلى قارئها في مفتتح العدد الجديد (يونيو) في إشارة إلى مأساة الأمية التي ترفل فيها المنطقة العربية وتؤدي إلى كوارث جذب المجتمعات للخلف حتى في حالات الثورة.
من هذا المنطلق يرى رئيس تحرير مجلة "العربي" الدكتور سليمان العسكري في افتتاحيته لهذا العدد أن فشل الخطط التعليمية التي اعتمدت للقضاء على الأمية يمثل هدرا في إنفاق لم يأت بثماره المرجوة وإضعافا للهيكل الاقتصادي المستقبلي للقوى المتعلمة. كما يرى أن اختلاف العرق والدين لا يجدر به أن يكون مسوغا لتفتت الأمة، فأبناء الهند والصين، أكبر أمتين عددا، وأكثرهما تعددا في الأعراق ارتضوا العيش معا من أجل نهضة اقتصادية وسلام مجتمعي.
أخيرا يرى الدكتور العسكري أن التعليم يجب أن يصبح أولوية أولى للمجتمعات العربية كافة مصحوبا بكل الخيارات؛ لأنه يدعمها ويعمل على مساندة النقلة الحضارية المرجوة لأمتنا والتي تأخرت طويلا، لأن الاقتتال الطائفي والمذهبي والعرقي والديني، الذي نشاهد بداياته اليوم في أكثر من بلد عربي، لا يمكن ان يزول إلا بتعليم مختلف خال من قيم هذه الطوائف والمذاهب المتطرفة القائمة على الخرافة والتجهيل والعيش في الزمن السحيق.
ولعل هذه الظواهر، الطائفية المتكأة على التخلف، في النهاية، تحتاج الى الكثير من التأمل والملاحظة، وهو ما يقدم جانبا منه الكاتب صلاح سالم في مقاله المنشور في هذا العدد بعنوان "القطيعة التاريخية والثقافة العربية المعاصرة"، وفيه يقول أن الانتقال الأهم مفصلية في التاريخ الإنساني والأكثر تأثيرا في حياتنا العربية هو الانتقال من حقبة زمن التقليدية إلى زمن الحداثة بوصفه تحولا جذريا في رؤية الوجود، ويحلل أسباب إخفاق الثقافة العربية في هذا التحول.
كما يكتب د.محمد جابر الأنصاري مقالا حول عوائق الذهنية العربية بالميل لما هو خيالي وعاطفي ونفورها من الواقع وتفصيلاته.
وفي موضوع تجاوز التقليدية يرصد الكاتب عمار السواد مجموعة من الثنائيات النقدية والسجالات التي دارت بين عدد من رموز الفكر الحديث مثل جورج طرابيشي ومحمد عابد الجابري، وبين محمد عمارة ونصر ابو زيد، وبين كنعان مكية وإدوارد سعيد. مثل هذه السجالات تبين اهميتها الكبيرة في صناعة الجدل داخل بنية ثقافية تبدو أحيانا ميتة أوعقيم، تؤدي في النهاية إلى إبراز أهمية تعددية التصورات في الثقافة العربية.
تحتفي العربي في عددها الجديد أيضا بفيلسوف التنوير الفرنسي "جان جاك روسو" صاحب فكرة ومفهوم العقد الاجتماعي، والذي يصادف هذا العام مرور ثلاثة قرون على ميلاده (1712- 2012)، عبر مقال كتبته الكاتبة والمترجمة دينا مندور، تتناول فيه أبرز افكاره واهم ما كتبه عنه النقاد والفلاسفة وتذكر بكتاباته التي تعد ابرز تنظيرات الثورة الفرنسية.
وتقدم "العربي" في ديوان رحلاتها في هذا العدد ثلاث سفرات فتزور مدينة القصر المصرية التي تعد مدينة في طي النسيان كما يقول كاتب الموضوع د.خالد عزب الذي يتجول في هذه المدينة التاريخية في غرب الصحراء المصرية، وتحديدا في الواحات الداخلة على بعد نحو 1000 كيلو مترا من القاهرة، ويتناول تاريخها وآثار من سكنوها بالتفصيل، ويحذر من إمكانية اندثارها إذا ما استمر تجاهلها.
ويتناول اشرف أبو اليزيد رحلة صناعة السفن العربية منذ عرف العرب البحر وصولا إلى التاريخ المعاصر في رحلة تاريخية موثقة حول عالم صناعة السفن وصانعيها.
تستضيف العربي على صفحات هذا العدد الفنانة المسرحية المغربية الرائدة ثريا جبران ويحاورها الكاتب الروائي المغربي عبد الكريم جويطي وفيه تلقي الضوء على تجربتها الثرية بين المغرب وفرنسا والدول العربية وتقيم واقع المسرح الراهن في المغرب وتاريخ تأسيس هذه الحركة على يد جيلها، اضافة الى خبرتها كوزيرة للثقافة في فترة من الفترات.
تخصص العربي ملفا شعريا يرصد عددا من التجارب الشعرية يسهم فيه كل من محمد علي شمس الدين وفاروق شوشة وعبد الهادي صافي ود.ريتا عوض.
بينما تختار الشاعرة سعدية مفرح الشاعر لبيد بن ربيعة الذي توفي بعد 14 عاما من هجرة الرسول(ص). ويواصل د.جابر عصفور أوراقه الأدبية عن سنة درس فيها في السويد.
بينما يكتب د.قاسم عبده قاسم عن فن ايذاء المحكومين في التاريخ.
ويلقي الكاتب أشرف الصباغ الضوء على أبرز نماذج الأدب الروسي المعاصر اليوم، عبر الكتاب المعاصرين في روسيا وأهم ما ينتجونه من أفكار روائية واساليب سردية، خصوصا لجيل الثمانينات الروسي، في قراءة نقدية تقرأ الأدب على ضوء السياسة عقب سقوط الاتحاد السوفييتي.
في الفنون تكتب الفنانة التشكيلية اللبنانية فاطمة الحاج عن الفنان التشكيلي شفيق عبود، وفي السينما يكتب عامر التميمي مقالا عن النجمة الأمريكية الراحلة وإحدى أيقونات هوليود إليزابيث تايلور.
وفي باب "ثقافة إلكترونية " يكتب إبراهيم فرغلي موضوعا حول تصميم المواقع الإلكترونية وفقا لأبرز ما بينته الدراسات الحديثة حول الأخطاء الشائعة عن القدرات البصرية إمكانات البصر البشرية المحدودة.
وتقوم بتحكيم "قصص على الهواء" لهذا العدد الكاتبة الروائية السورية مها حسن، في الباب الشهري الذي تقدمه العربي مع إذاعة الـ"بي بي سي" لدعم المواهب الشابة في الكتابة القصصية.
يوزع مع العربي ايضا ملحق "البيت العربي" الذي يضم عددا من الموضوعات الشيقة عن الديكور والعمارة والصحة والتغذية وكل ما يهم الأسرة العربية.