شكلت مشاركة جمعية المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة في فعاليات المهرجان الوطني للفيلم القصير هواة بالشاون، التي اختتمت السبت الماضي، الانموذج الحقيقي للتعاون الثقافي والفني المشترك بين الجمعيتين، وتحقيق رهان التنمية الثقافية الوطنية، بين فعاليات المجتمع المدني على الصعيد الوطني.
وقد بادرت الجمعية الى الانخراط الكلي في التعاون مع جمعية تلا سمطان للثقافة والبيئة المنظمة لهذا المهرجان، من اجل دورة سينمائية حقيقية، لها بصمة التميز، والاختلاف، وتعطي المثال الحقيقي للتعاون المشترك بين الجمعيات الفاعلة في الحقل الثقافي والفني والسينمائي.
وقد تأتى هذا التعاون المشترك الذي شرف اقليم خريبكة وجهة الشاوية ورديغة ككل، من خلال مشاركة كل من رئيس الجمعية والمهرجان الدكتور الحبيب ناصري ومدير المهرجان الدكتور بوشعيب المسعودي، الى جانب ابن المسعودي، المبدع الصغير الفنان الفتوغرافي ابنه وليد، فضلا عن الاستاذ حسن المجتهد، والفاعل الجمعوي الاستاذ عبد الاله المرابط من مدينة وادي زم.
المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة، ابدع تجربة متميزة، مع مهرجان الشاون، وذلك من خلال اصدار مؤلف مشترك بالتعاون مع بلدية المدينة، بعنوان" شفشاون في عيونهم"، وهو عبارة عن اشراقات ابداعية للعديد من المبدعين، شعراء، اعلاميين، زجالين وقصاصين وروائيين ومترجيمن وسينمائيين وفعاليات جمعوية، يمثلون عددا من البلدان، الذين ادلوا بكل تلقائية بحروفهم المتوهجة، وكتاباتهم المنيرة حول مدينة الشاون، وذلك انطلاقا من صور ضوئية التقطتها عدسة الفنان الشاوني محمد عسو. وقد كانت التجربة جد متميزة، وخاصة وانها منحت للمهرجان نوعا من الخصوبة، والاحساس بالزهو، والنخوة لا تضاهيها الا نخوة الجبال التي تحضن المدينة من كل اتجاه، فيما هي نائمة تهدهدها الاحلام في صورة شارعية رائعة
والكتاب الذي تم توقيعه بحضور، رئيس جمعية تلاسمطان، الاستاذ احمد اشرنان، ونائب رئيس المجلس البلدي المثقف نبيل الشليح، وعدد من الفعاليات الثقافية، شكل وثيقة اعتزاز لكل المشاركين، ومحطة راقية للاحتفال بالمدينة، والتواصل معها، وتكريمها تكريما حقيقيا.
وقد شارك في حفل الاصدار، الذي تم بالتنسيق بين مدير المهرجان محمد السطار، وناصري، العديد من الكتاب والمبدعين المساهمين، في هذا الكتاب، حيث اجمعت مختلف التدخلات على القمية الجمالية والمعرفية، والفكرية، والفنية لهذا الكتاب الذي يعد ثمرة تعاون مثمر بين المجلس والجمعيتين، تكريما لسحر المكان، واحتفاء بزينة المكان والذاكرة المحلية، التي تحكي الف قصة وقصة، في المكان والزمان، والناس الطيبين الذين يقطنون تلك المدينة الرائعة.
وقال رئيس الجمعية الاستاذ اشرنان بالمناسبة ان هذا الكتاب يعد اول تجربة على الصعيد الوطني، يحتفي بالصورة كمادة اتصال تقيم العلاقة بين المرسل والمتلقي، انها صورة تبرز الموروث الثقافي والانساني لشفشاون، عبر دروب مدينتها العتيقة وطرازها المعماري الاندلسي ولونها الازرق الازوردي الجميل، صورة تعكس بحق قدرة ساكنيها على المحافظة على تقاليدهم العريقة وثقافتهم المتنوعة والمهمة.
اما محمد السفياني فقد اكد على تميز هذا المؤلف الجميل، ومحوره مدينة الشاون، التي اضحت معلمة سياحية بامتياز بفضل موقعها الجغرافي وتاريخيها العريق وخصوصياتها المتميزة.
واوضح في كلمة في مقدمة الكتاب، ان هذا الاخير قارب المدينة، من خلال صور ابداعية التقطها ابن المدينة محمد عسو فتناسلت التأملات والعبارات الجميلة والرائعة من مبدعين متميزين، مؤكدا ان المبادرة بقدرما تفاجئ بين الفينة والاخرى، تجعل المتلقي اكثر استماتة للعطاء اكثر لفائدة هذه المدينة الساحرة وساكنتها.
اما الدكتور ناصري فقد اكد ان الشاون جغرافية ناعمة ونائمة بين احضان الجبال، نعزف لها لحن وارغن المحبة، وهي التحفة الزمنية المغازلة للسماء، انها خصوبة مكانية وزمانية، واجتماعية وانسانية وجمالية، وصورة رائعة ترتدي قشيبا من صنع الاصدقاء من مختلف انحاء العالم.
وراى الدكتور المسعودي في لونها الازرق لون السماء، ولون البحر الذي يفتح افاق واسعة على الحلم، كما يرمز لونها الى الحكمة والصفاء، ويمثل صدى الحياة والسفر، ولونا للشفاء من العديد من الامراض بلغة الاطباء النفسانيين.
اما بشرى ايجورك فترى في المدينة مدينة الاحلام والجمال والابداع، فيما حسن مجتهد يراها مدينة عالمية.
هكذا كانت الشاون في عيونهم فكرة وحكاية، مدينة في عيون العاشقين من وحي مدينة وادي زم، شاهدة على عصر العصور، تاريخ، انها مدينة الفنون، المراة والذاكرة بامتياز، مدينة الفاتحين، فردوس كبير، زرقاء الريف، حلم برؤية سلة، ساحرة، وبلا ثرثرة عمرانية، انها سرمدية بأزقتها، وحاضرة الالوان، بلغة ربيعة الشاهد، مدينة الحلم في عين مترجم، زقاق يؤدي ولا يؤدي، انها " جامع بوزعافر"، وراء صورها حكايات وحكايات، ، جبروتة وحشمة، من منظور طبيب، النهارها في عين طاهر علوان من العراق نهار يزيح الستار عن العابرات، انها زرقة وامتداد ، سحر على سحر، وجه ازرق، اعجاز هندسي، زهرة الجبال، هي قيم اصيلة وجمال روحي، صفاء وهدوء، انها حكاية محدثتي، جمال وغموض، محاولة في قراءة ابواب، مدينة عالمية، فيها تعمل الشاعر كيف يتأمل، بحس صوفي، هي تمثلات واستيهامات، برج تمني، معركة الوان من فلسطين الحبيبة، سقاية ونبع التاريخ، انها مدينة السماء، وقرع ابواب، " نوارة" وجدان، بركة وحياة، روح، وعالم سحري، وصباح مميز، بكل اللغات.
والى جانب مشاركة المهرجان في هذا المشروع الثقافي المتميز، الذي كان له دور كبير في انجاح الدورة، هناك مشاركة الدكتور ناصري، في ندوة المهرجان، حول سينما الهواة الواقع والافاق، فضلا عن مشاركته في عضوية لجنة التحكيم الخاصة بالمسابقة الرسمية للافلام.
في الندوة الفكرية، التي سيرها الاستاذ حسن مجتهد، أبرز هذا الاخير، قيمة سينما الهواة، ودورها الكبير في اثراء الممارسة الثقافية بشكل عام، مؤكدا على ضرورة الاهتمام الكبير بالسينمائيين الهواة، لما لهم من قيمة في اعطاء السينما الوطنية في المستقبل، صورتها الاحترافية والمهنية، حتى تمثل البلاد احسن تمثيل وبخاصة في المحافل الدولية.
وقال الناقد السينمائي مجتهد في كلمته بالمناسبة انه لا يوجد فرق بين السينما الهاوية المحترفة، الا بالتقوى، كما يقولون، موضحا ان السينما واحدة، والسينمائي الحقيقي هو الذي يستطيع ان يقنع المتلقي والجمهور بابداعه الجيد صوتا وصورة ورؤيا.
من جهته فكك الدكتور الحبيب ناصري سيميائيا في تدخله المتميز، كلمة"هواية"، حيث اكد ان كلمة" هواة" في جذرها اللغوي تتشارك مع كلمة الهوى، وتعني الحب والعشق الصوفي عند شعراء المتصوفة بما في الكلمة من علامات، ودلالات عميقة، ترتبط بما هو وجداني وشاعري وباطني وانساني.
ولامس الدكتور ناصري في مداخلته القمية العديد من المحطات التاريخية لسينما الهواة بالمغرب منذ البدايات الاولى، لهذا الجنس السينما الفريد، داعيا بالمناسبة الى ضرورة تنشيط البحث العلمي على الصعيد الوطني من اجل اعطاء سينما الهواة افاقا واسعة، تخدم المصحلة الفنية والثقافية والابداعية في المستقبل.
وكشف بالمناسبة عن صعوبة الحديث عن سينما الهواة في المغرب، لما لهذا الجنس الابداعي من خصوصيات، وميكانيزمات، وميزات تميزه عن باقي الاجناس الابداعية الاخرى.
وشدد على ضرورة اهتمام السينمائي الهاوي بالمبنى، من اجل عمل اكثر قوة، واكثر تأثيرا على المتلقي والجمهور، كما أعرب عن اسفه لافتقار المؤسسات التعليمية ببلادنا لثقافة الصورة. واكد في هذا السياق على ضرورة توظيف الصورة في تنمية المدارك المعرفية للتلاميذ والطلبة، حتى تصبح الصورة اداة فاعلة من ادوات توليد قيم الخلق والابداع، والمبادرة، والثقافة وتهذيب الذوق الفني، فضلا عن تنمية الثقافية المحلية والجهوية.
من جهته تطرق الناقد السينما احمد الفتوح خلال الندوة الى عدد من المحطات التاريخية التي ميزت سينما الهواة، بدء من المخرج السينمائي المغربي محمد عصفور.
كما عرج بالمناسبة على فيلم" الحياة كفاح" سنة 1968، و" الابن العاق" عام 1958، فضلا عن فيلم السلطان مولاي عبد العزيز، سنة 1896، وافلام الاخوة لومير في فرنسا، وتأسيس الاتحاد العالمي لسينما الهواة عام 1931.
وشدد على ان الهواة في السينما لا يعيشون من عائدات سينماهم، وان العديد من المهرجانات تحاول توحيد الرؤى وخلق تصور مشترك للدفاع عن مصالح هذا الجنس السينمائي.
وقدم الفتوح بالمناسبة العديد من الاقتراحات، منها الاهتمام بالتكوين، وضرورة تصوير الافلام في امكنتها، بالاوان، واستعمال طريقة التصوير بالكاميرا محمولة على الكثف، واستعمال الخدع السينمائية، وانشاء مراكز سينمائية جهوية، وخلق خزانة سينمائية، واعتماد سينما محلية للحفاظ على الذاكرة المحلية والجهوية، وترويج الافلام داخل المؤسسات التعليمية.