الحرص على الإستمرار في الانفتاح على الطرق الصوفية المغربية، واحدة من النقاط الإيجابية التي تحسب لمهرجان الثقافة الصوفية بفاس في دورته السادسة. فبعد أن أتاحت الدورة الماضية فسحا عديدة للتعريف بخصوصيات التجربة الصوفية المغربية إن على مستوى الذكر أو المذاكرة، تعود مجموعة من الطرق الصوفية المحلية لتصدح من جديد في فضاء متحف البطحاء، وهي الطريقة القادرية البوتشيشية والطريقة الشرقاوية والطريقة الوزانية.
الإصرار على إدماج حفلات سماع خاصة بالطرق الصوفية الوطنية وللسنة الثانية على التوالي يحمل أكثر من دلالة، لعل أبرزها أن تواجد مثل هذه الطرق باستمرار ضمن فعاليات مهرجان دولي كمهرجان الثقافة الصوفية بفاس، قد يشكل مدخلا فعليا لنشر الثقافة الصوفية المغربية على أوسع نطاق، وذلك بالنظر للعدد الهام من الزوار الأجانب الذين يواظبون على حضور المهرجان، ولتنوع وسائل الإعلام الأجنبية التي تغطي فعالياته.
من الأمور الأخرى التي تسير في نفس هذا الاتجاه، سعيا نحو المساهمة في تنويع مداخل نشر التراث الصوفي الوطني، العمل على تخصيص ندوات علمية صباحية ومسائية، تقود المتلقي الأجنبي، على الخصوص، إلى الغوص في الجهاز المفاهمي والقيمي والتربوي الذي تنطوي عليه الممارسة الصوفية المحلية ويتأسس عليه الفكر الطرقي المغربي، وسبيل الزائر الأجنبي إلى ذلك كمُّ المداخلات المبرمجة للمثقفين والباحثين المغاربة في مجال التصوف، والتي لا تقف عند حدود تشريح التجربة الصوفية الوطنية والتفصيل فيها، وإنما تتجاوز ذلك إلى عرض رؤية الأنا الصوفية الوطنية لنظيرتها في المشرق أو الغرب.
مهرجان الثقافة الصوفية بفاس، وبالنظر للإشراقات المعرفية اللافتة التي راكمها خلال الدورات السابقة ولقيمته الفنية الخاصة التي تميزه عن باقي التظاهرات الثقافية والفنية الأخرى، تجعله واحدة من المحطات الهامة التي تعطي للسلوك والفكر الصوفيين المحليين بعدا دوليا، وتقود المتلقي الأجنبي إلى اكتشاف جوانب فريدة من الممارسة الروحية المغربية، التي تتميز بها عن باقي نظيراتها في مختلف بقاع العالم، حيث تجعل من تربية الفرد على محبة الذكر مدخلا لمحبة الله ورسوله، وتقوده بذلك إلى تقديم أوامر الحق على هوى النفس، والسير نحو التخلق بأخلاق نبيه، لتنكشف بذلك صورة من صور الإنسان الحالم والمحب لذاته ولغيره رغم عوائق الدين واللغة والثقافة.
يذكر أن دورة هذه السنة من المهرجان، تُنظم تحت شعار "حكم صوفية"، وتعرف مشاركة فنية صوفية متنوعة تنقسم بين عرض جانب من الموروث الصوفي الهندي والتركي، من خلال حفلين لطريقة "نظام الدين" من نيودلهي والطريقة الخلواتية من تركيا، وبين برمجة صوفية محلية صرفة تؤدي من خلالها الطرق القادرية البوتشيشية والشرقاوية والوزانية تنويعات خاصة من فن الذكر والمذاكرة المغربيين.