صدر للشاعر المغربي د مصطفى المسعودي عن دارالنشر البريطانية (اي ــ كتب ) ديوان شعري في طبعة الكترونية تحت عنوان " لقاء على أبواب قصر الماء " وقد صدّره الناشر بالتقديم التالي :
المسعودي واقفا على أبواب قصر الماء
لو لم يضم هذا الكتاب إلا قصيدة واحدة، سرعان ما سيعرفها القارئ، لكان كافيا ليكون ديوانا عامرا. وتكاد كل قصيدة أن تكون هي تلك الواحدة!
لا يمتلك مصطفى المسعودي شخصية شعرية متميزة، ولغة خاصة به فحسب، ولكنه يمنح لكل واحدة من قصائده روحا تكفي لكي تجعلها نصا متفردا يكاد لا يمكن تصويره إلا بلغته وايقاعاته.
المسعودي يضفي رونقا وحيوية على قصيدة التفعيلة يكاد يغيب عن البيئة الشعرية العربية الحديثة.
ولعله يستطيع القول انه بينما تنخرط الكثير من التجارب الشعرية الشابة في محاولات يسقط الكثير منها في الشكلانية، لتنتهي في معظم الأحوال الى قصائد مزيفة، فانه يبدأ من مشاغل مختلفة كليا، ويستلهم أدبه من بيئة صنعت، بالأحرى، مجد الشعر العربي الحديث منذ نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وصولا الى نزار قباني.
وليس كثيرا على شعره ان يقع في نفس الكثير من الأدباء والنقاد العرب موقعا مؤثرا، وأن يستقطب قرّاءً ومتابعين ومهتمين الى درجة ان المرء يكاد يعرف أن حديقته الغنّاء تمهد له ليكون واحدا من كبار الشعراء العرب.
بعض من روح المشرق الشعري العربي، وبعض من خصوصية المقترب المغاربي يجعلان من المسعودي جسرا بين شخصيتين أدبيتين نادرا ما ارتبطا بجسر مكتمل لتجربة شعرية ناضجة، رغم أن مرجعياتهما الأساس واحدة.
بل يمكن القول اليوم إن قطعة الموزاييك العملاقة التي تجسد المشهد الشعري العربي، بمشرقها نفسه، لا تكتمل من دون أديب كالمسعودي.
وتوفر العديد من الشهادات التي قدمها ادباء عرب عديدون دليلا على المكانة التي يستحقها.
يقول الشاعر الأردني عيسى بطارسة في رسالة الى المسعودي: كل قصيدة لديك فتح جديد، آفاق أخرى، عالم كامل الهيئة والنكهة والمعنى، إضافة جديدة لعالمك الزاخر بالحب والوطن والغيرة على كل ما هو خير ومثمر وجميل في وطننا وفي لغتنا الحبيبة. فلا تبخل علينا بالمزيد.
ويقول الشاعر السوداني حسن الأفندي في تعليق مماثل: أصبحتُ يا أخ مصطفى المسعودي من مُدمني أشعارك.... فهل عندك من علاج لإدماني يا ترى؟
ويقول الشاعر الفلسطيني مازن عبد القادر الصالح: عندما أقرأ لك أشعر أني أستمع إلى سيمفونية يتم عزفها في فصل الربيع مع الورود والأزهار.. بالله في أية حالة تكون عندما تنظم مثل هذا القريض المتدفق عذوبة وسلاسة؟
وتقول الشاعرة الأردنية لانا راتب المجالي: هذا هو الشعر الذي ينبع من الروح وعلينا التصفيق له.
ويقول الشاعر السوري سمير مصطفى كريدلي: إن ما أحببته فيك إنسانيتك السامية، هذه الإنسانية التي تولّد عندك أحاسيس مرهفة نحو كل شيء في الوجود وبأسلوبك الفني المبدع الفياض بالمشاعر، تصوغ في القصيدة عالمك الخاص الآخاذ وتمسك بأيدينا لتأخذنا معك فننساق لكلماتك كالمسحورين.
وتقول الشاعرة الجزائرية فاكية صباحي: كم يتجمل هذا الصرح العظيم بجميل حرفك الذي تنتقيه بعناية بالغة.. هو الصدق الذي يوشح كتاباتك دائما لتأسرنا دون مقدمات. دمت مبدعا نفتخر به أخا فاضلا كم زين صباحاتنا ألق حرفه النقي.
ويقول المسعودي إن إصدار الديوان الشعري لم يكن هاجسا يحكمُ تجربته مع الكلمة. "أنا بدأت الكتابة في وقت مبكر من عمري، وتحديدا في المرحلة الإعدادية والثانوية حيث كتبت الشعر العمودي، ثم طوّرت تجربتي في المرحلة الجامعية، وراكمت الكثير من القصائد إلا أني كنت دائما أتهيّب من النشر احتراما للكلمة الشعرية، وكنت دائما اعتبر نفسي في طوْر البداية، وأن النشر ينبغي أن يحمل رؤية إبداعية أصيلة وحقيقية، أما النشر من أجل النشر أو لتحصيل لقب شاعر فذاك ما كنت أرفضه باستمرار، فكم هو سهلٌ أن تجمع الكثير من الكلام الرّكيك بين دفتيْ كرّاس ثم تضع على الكراس عبارة "ديوان شعري"، ومع الأسف هذا الإجراء صار اليوم يستغرق الساحة بشكل ممْجوج".
ويضيف: "إن الديوان ليس هو من يصنع الشاعر، بل الشاعر هو الذي يصنع الديوان، والشاعر هو الذي يصنع نفسه من خلال تجسيد تجربة تفرض ذاتها بقوتها وأصالتها، وهذا المنهج هو الذي يفسّر علاقة الشعراء المغاربة الكبار بالنشر، وتحضرني هنا على وجه الخصوص تجربتا الشاعرين الرائدين أحمد المجّاطي ومحمد الخمار الكنوني رحمهما الله".
وعن امتداد السياسي الى شعره يقول المسعودي: "أن التزاوج بين الشاعر والسياسي ليس بدعة، بل إن الشعراء الذين كتبوا ومارسوا السياسة في الوطن العربي وغير العربي هم كثيرون، وذلك لأن الشاعر قبل كل شئ هو إنسان يتفاعل مع الأشياء والظواهر من حوله، بل هو شاعر لأنه لربما يشعر أكثر من غيره بعمق الظواهر وأبعاد هذه الأشياء، وهو شاعر لأنه يستشعر في أعماقه الأصداء المأساوية للأحداث ثم يقوم بصياغة هذه الأصداء عبْر الكلمة المُثقلة بالإحساس والانزياح.. ولا أدري كيف يتفاعل الشاعر مع الطبيعة في سكونها ومع الوجود الذاتي في تحوّلاته ثم لا يتفاعل مع ابدالات الواقع في امتداداتها لاجتماعية والسياسية وتناقضاتها الصارخة. من هنا يكون التعبير عن الوجود السياسي قدراً لا مفر منه بالنسبة للشاعر في رأيي، وهذا هو الذي كان باستمرار... فهل التاريخ في أحداثه الكبرى سوى صياغة لأحلام شعراء.. وابحثْ عن أكثر اللحظات حرارة ومرارة وقوة وفاعلية سياسية في التاريخ ستجد أن الشاعر كان حاضرا في صياغتها على مستوى التخيّل كما على مستوى الانجاز أيضا. لهذا قلتُ إن التوافق هو الأصل ولكن ليس معنى ذلك أن يكون الشاعر صدى خافتا للسياسي كلا.. ذلك هو الذي يُسيئ أشد الإساءة للتوافق بين العالمين، وقوة الشاعر وضعفه تتجليان من خلال القدرة على أن يكون التعبير غير متكلف وغير خاضع لسطوة البعد السياسي".
والمسعودي ناقد ثاقب البصر لبيئته الشعرية، ويقول: "أرى أن وضع الشعر بالمغرب اليوم لا يمكن فصله عن الواقع العام للوجود المغربي خاصة في حيزه الثقافي، نحن نعيش حالة من التيْه الثقافي ترتبط بأزمة حقيقية تعرفها النخب التي تصدرت الواقع المغربي خلال العقود الأخيرة، والتي كانت تحمل منظوراتها الخاصة للثقافة والفن والحياة، هذه المنظورات أعْطتْ أقصى ما لديها ..الآن استنفذت أغراضها ووصلت إلى الباب المسدود، ولعل أبرز ما ميّز المشاريع التي حملتها هذه النخب تجلى أساسا في حجم التسويق الإعلامي لهذه القيم بحماس منقطع النظير وبكثير من البهارات اللفظية مع ادعاء تمثيل العصر والانتماء إلى أرقى منجزاته الحداثية كما تميزت من جانب آخر بنزعتها الفوضوية القائمة على الميل إلى تدمير "المنطق الداخلي" للشعر العربي ككل بدعوى حرية الإبداع والتخلص من الموروث، هكذا تمّ التسويق الواسع لشعارات من قبيل: تجاوزا لمتعاليات، وعدم الخضوع للقاعدة، والمقصود عدم الالتزام بالأسس الأولية للفعل الشعري في أبعادها الدلالية والزمانية الإيقاعية والتركيبية، حتى صرنا أمام حالة من "المسْخ" الذي لا هو بالشعر ولا بالنثر...عبارات تائهة بلا معنى ولا وزن ولا لغة... وبالنتيجة صرنا أمام الشاعر/ اللاشاعر، ولأنه تم اغتيال أسُس الخطاب الشعري الأصيل فبإمكان الكل أن يكون شاعرا يكفيه جمع كلمات مبعثرة الأسافل والأعالي، بتعبير ابن الرومي، لتجعل منه الماكينة الإعلامية الشاعر الذي يسافر اسمه على أوسع نطاق".
ويستدرك بالقول: "طبعا هذا ليس الوجه الوحيد للوضع الشعري المغربي.. كلا انه الوجه السلبي، وبالموازاة معه تسمو قامات شعرية مغربية رفيعة ترْشح بكثير من النبل والأصالة والإبداع، وهي أسماء تفرض وجودها برغم الحصار وتشق طريقها يوما بعد أخر وتعدُّ استمرارا طبيعيا لنفس مدرسة الشعر المغربي المعاصر التي وضع أسسها شعراء من أمثال أحمد المجاطي ومحمد الخمار الكنوني".
والمسعودي من مواليد مدينة الحسيمة بشمال المغرب سنة 1963. وهو سليل أسرة عرفت بمقاومة قوية للاستعمار في صفوف الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي .
تلقى التعليم الابتدائي والثانوي في مدن: فاس، الحسيمة وطنجة. وحصل على شهادة الإجازة في الأدب العربي سنة 1985. وحصل على شهادة دبلوم الدراسات المعمقة في الأدب العربي بميزة حسن من جامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1987. وحصل على شهادة الدكتوراه في موضوع الشعر المغربي المعاص ربميزة مشرف جدا جامعة محمد الخامس بالرباط سنة 2003. تخرج من المدرسة العليا للأساتذة بتطوان تخصص اللغة العربية سنة 1990. ومارس التعليم الثانوي التأهيلي لمدة 20 سنة.
ساهم المسعودي منذ الثمانينات من القرن الماضي في إثراء الساحة الشعرية والأدبية والثقافية المغربية بحضور غني. وشغل منصب رئيس تحرير جريدة "الجسر" المغربية لأزيد من 10سنوات. وشارك في العديد من الملتقيات الأدبية الثقافية والسياسية. وترأس وساهم في تأسيس العديد من الجمعيات الثقافية بالمغرب. ونشر الكثير من الإبداع الأدبي والفكري في منابر إعلامية ومواقع الكترونية .
ــ من أعماله الأدبية:
"على الشاطئ نورس جريح "ــ ديوان شعر
"افتحوا الأبواب"ــ ديوان شعر
"موضوع الهوية في الشعر المغربي المعاصر: مقاربة في علاقة الإبداع بالانتماء" - نقد أدبي