أنهي قراءة كتاب: "عرف التعريف بالمولد الشريف"، للإمام الحافظ المقرئ أبي الخیر محمد بن محمد ابن الجزري الشافعي، المتوفى عام 833 ھجري، إصدار واحة آل البيت لإحياء التراث والعلوم، فلسطين، من 22 صفحة، فكانت هذه القراءة:
جاء في صفحة 7 قول الحافظ: " وولد النّبي صلى الله عليه وسلّم ... سنة ثمان وسبعين وخمسمئة من رفع سيدنا عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام إلى السّماء". ويمكن القول أنّه: لأوّل مرّة أقرأ التأريخ باسم صعود سيّدنا عيسى عليه السلام بينما المتعارف عليه هو التأريخ باسم ميلاد سيّدنا عيسى عليه السلام، وتلك عادة أخذت من الأوربيين الذين لايؤمنون برفع سيّدنا عيسى عليه السلام لأنّهم حسب زعمهم "قتلوه !" وفي الحقيقة "وما قتلوه وما صلبوه ولكنّ شبّه لهم"، وهذا التأريخ الذي اتّبعه الحافظ الجزري رحمة الله عليه يشكر عليه خاصة وأنّي لأوّل مرّة أقف عليه.
وأبدع الحافظ الجزري في صفحة 10 حين قال: " إذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحه ليلة مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم به، فما حال المسلمِ الموحد من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي يسر بمولده ويبذُل ما تصل إليه قدرته في محبته عليه السلام؟، لعمري إنما يكون جزاؤه من الله تعالى الكريم أن يدخلَه بفضله جنات النعيم".
وتحت عنوان: "مكان ولادته صلى الله عليه وآله وسلم وبركته" يقول في صفحة 10: وكان موُلده الشريف صلى الله عليه وآله وسلم بالشِّعب وهو مكانٌ معروف متواتر عند أهل مكّة يخرج إليه أهل مكّة كلّ عام يوم المولد إلى يومنا هذا، وقد زرته وكررت زيارتي سنة 308 هـ ، فكان أن تهدّم فرممته، وقرئ علي كتابي: " عٙرْف التّعْرِيفْ بِالموْلِدِ الشّرِيف "، وسمعه خلق لايحصون، وكان يوما مشهودا". وما يجب قوله أنّ الاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معمولا به في القرن الثالث الهجري إذا أخذنا سنة 308 هـ كمقياس.
يقول الحافظ في صفحة 11 أنّ: "بحيرة ساوة العظيمة نشفت حين ولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم". وعليه يتساءل القارىء المتتبّع: لماذا الجفاف واليبس وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث للحياة والرحمة والبذل والعطاء؟. إنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم رحمة للعالمين بعثه الله تعالى ليحي به القلوب والجيوب والحبوب، وحاشاه أن تجفّ الأنهار بسببه ويقطع الرزق بسببه بل تسيل وتجري.
جاء في صفحة 12 -13 أنّ: "سيّدتنا خديجة رأت الملكين يظلان سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرها غلامها ميسرة أنّه رأى الشجر ينحني له ليظلّه وأنّ غمامة كانت تظلّه، وأنّ ذلك كان باعثا لرغبة سيّدتنا أمّنا خديجة بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم". وعليه أعقّب قائلا: سيّدتنا أمّنا خديجة رحمة الله عليها ورضي الله عنها وأرضاها أعجبت بأخلاق سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمانته وصدقه في القول والممارسة وفي كلّ الأحوال ومهما كانت الظروف ولذلك حين جاءها سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتعد مما سمعه ورآه في اليوم الأول من نزول سورة "إقرأ" لم تقل له إن الشجر انحنى لك ليظلّك وأنّي رأيت ملكين بل ذكّرته بمناقبه العالية وفضائله السّامية التي من أجلها تزوجته، وقالت له: إنّك لتطعم المسكين وتكرم الضيف وتساعد المحتاج وما أعظمها من خصال.
وجاء في صفحة 13 قوله: "وأسري بجسده"، وعليه أقول: وهذا خطأ وقع فيه الإمام الحافظ رحمة الله عليه ورضي الله عنه وأرضاه لأنّه أسري بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالروح والجسد معا وفي نفس الوقت والله تعالى يقول: "سبحان الذي أسرى بعبد"، والعبد تطلق على الجسد والروح وليس على الجسد فقط، ولو كان الإسراء بالجسد وحده ماكذّبته قريش في بادئ الأمر.