مساء يوم السبت 14 أكتوبر 2017 وقع اختيار نادي أنوار داي السينمائي بالمركز الثقافي الأشجار العالية بني ملال على عرض الفيلم الروسي "أورغا" من توقيع نيكيتا ميخالكوف، الذي بدأ مشواره الفني منذ ستينيات القرن الماضي. فيلم " أورغا" الحاصل على جائزة الأسد الذهبي بمهرجان فينيسيا سنة 1991، وهي سنة إنتاجه، يعتبر من أشهر أفلام ميخالكوف إضافة إلى فيلم "خداع الشمس"1994. يبدأ المخرج فيلمه بلقطة بانورامية لشخصية كامبو من الوراء، قبل أن تتوالى باقي اللقطات لتقديم الفضاء الذي سيحتضن معظم أحداث الفيلم، وقد اختار المخرج لفيلمه عنوانا برمزية ثقافية منغولية، ف"أورغا" تطلق على تلك العصا الطويلة التي يستعملها المنغوليون للتحكم في قطعان المواشي والجياد، لكنها ذات رمزية إيروتيكية في ثقافتهم. تضمن الفيلم صورا جميلة للمناظر الطبيعية في سهول الإستبس المنغولية وانسيابية الخيول في حركتها و صفاء وبرودة مياه الواد بمنعرجات متماثلة رسمت منذ ملاييين السنين. إضافة إلى ذلك يمكن اعتبار الفيلم نافذة على ثقافة شعب منغوليا في تحديها للمجال الطبيعي البارد و الصعب والمعزول. وبنكهة توثيقية وعمق إنساني سافر بنا ميخالكوف لسبر أغوار القيم الإنسانية المشتركة كالحب والصداقة والغيرة والحلم والقرابة والتضامن، في فيلم مدته ساعتين، لكن قليلا ما يشعرك بالملل، فهناك صور جميلة وإيقاعات موسيقية مختلفة ومواقف هزلية تخرجك من القلق وتفرض عليك مواصلة المشاهدة لمعرفة مصير الشخصيات، خاصة كامبو وسيركاي. تضمن الفيلم كذلك نوعا من الدفاع عن روسيا "الوطن" في صراعها مع الأخر الرأسمالي/ الأمريكي الذي حضرت رموزه من حقل السينما" سيلفيستر ستالون"، وقد استثمر ميخالكوف لذلك الغرض شخصية "سيركاي" العسكري السابق المحب للموسيقى وللشعر الوطني، و في نفس الوقت، هناك انتقاد لزحف التقنية على تلك الأشياء الجميلة في حياة الإنسان وتدمير الصناعة لعذرية الطبيعة، وأكثر ما ركز عليه ما يتعلق بالتواصل بين أفراد العائلة، فالتلفزيون كان وراء عزلة الجدة عن محيطها وتراجع مستوى الحميمية بين الزوجين ومع الأطفال، لأن الوجوه تتسمر على الشاشة ويتم إهمال سرد الحكايات والقصص وما تحمله من قيم ومبادئ تنتقل عبر الأجيال، وهو تنبؤ صائب لميخالكوف بهذه الفوضى التواصلية التي نعيشها اليوم بسبب التكنولوجيا الحديثة، وهي فوضى لم تظهر انعكاساتها بعد، ولا شك أن الأجيال الحالية والقادمة ستدفع الثمن غاليا، خاصة في مجال القيم.