تعتزم الجمعية المغربية ٱبن بطوطة إقامة الدورة الثانية للمهرجان الدولي ٱبن بطوطة خلال أيام 9 إلى12 نونبر2017 تحت شعار :الرحالة،سفراء للسلام.وذلك في أفق التعريف بجهود ٱبن بطوطة في هذا الجانب،وبتعميق البحث في الإرث الثقافي الكوني الذي تركه لنا موثقا ومدونا،فهو يعد بحق رائدا وسفيرا لإشاعة قيم التسامح والتعارف بين الشعوب،وتحبيب السفر والسياحة بمعناها الإيجابي والمثمر.
ابن بطوطة الطنجي ، هو رحالة الانفتاح بامتياز ،جوال الأرض بالطول والعرض . تعد رحلته أهم وثيقة مكتوبة في تاريخ كتب الرحلات البشرية ، لدقة الملاحظة التي يتمتع بها و لذاكرته المدهشة . ولوفرة المعلومات الجغرافية و التاريخية و العادات و التقاليد للأمم و الشعوب التي زارها و أقام بين ظهرا نيها .
ابن بطوطة ضيف للمسافة ، هو المسافر الهائل بنعال من ريح ،هو صنيعة السفر ، خلدته رحلته ، قبلها لم يكن شيئا مذكورا ، تاريخه وشهادة ميلاده بدأت مع الخطوة الأولى نحو مجاهيل الأمكنة. هذا هو الدرس العميق للسفر و التوجه نحو الآخر ، فلفهم الذات من الضروري تغربها و انفصالها عن مسقط رأسها و اختبارها في الآخر الغريب ، فالذات تتجدد بالاغتراب مثل الشمس ، وعلى ذكر الشمس ، فقد لقب ابن بطوطة في الشرق بشمس الدين ، فالذين اطلقوا عليه هذا اللقب أدركوا عمق تجربته و فهموا قصديته في رحلته، فهو قد انطلق من مجمع البحرين ، مدينة طنجة ،حتى وصل في ترحاله إلى بلاد الصين ،فكأنه بهذا المسار كان يحاكي الشمس في تنقلها . من بلد الشمس رجع إلى المكان الذي تغرب فيه ، فكأنه كان يحاكي مسار ذي القرنين الذي طاف في البلدان ، حتى وصل إلى بلاد الشمس و رجع إلى مكان تغرب فيه في عين حمئة .
لم يكن يخطر على بال ابن بطوطة أنه سيجوب الأرض طولا وعرضا ، ففي البدء كان الحج هو المقصد الأسنى. لكن في الطريق ، و بالتحديد في الإسكندرية سيتلقى إشارة غريبة ، فالإمام العالم الزاهد برهان الدين الأعرج الذي أقام عنده ابن بطوطة ثلاثة أيام في الإسكندرية قال له :
<< أراك تحب السياحة والجولان في البلاد ، فقلت له نعم إني أحب ذلك . ولم يكن حينئذ بخاطري التوغل في البلاد القاصية من الهند والصين فقال لابد إن شاء الله من زيارة أخي فريد الدين في الهند و أخي ركن الدين في السند و أخي برهان الدين بالصين ، فإذا بلغتهم فأبلغهم مني السلام ، فعجبت من قوله و ألقي في روعي التوجه إلى تلك البلاد و لم أزل أجول حتى لقيت الثلاثة الذين ذكرهم و أبلغتهم سلامه >>
رحلة ابن بطوطة ، تحفة النظار في غرائب الأمصار و عجائب الأسفار، ص 21
لقد كان الملمح الروحي حاضرا بقوة في مسارالرحلة و قد تجلى في الكم الهائل من الشخصيات الروحية سواء في بلاد الإسلام أو عند الملل الأخرى ، و ذكر المزارات و أماكن العبادة . فلا يمكن أن نغفل أن شبكة الزوايا و الخوانق و أخوية الفتيان ،لعبت دورا كبيرا في تمكين ابن بطوطة من إنجاح رحلته إضافة إلى الاستقبالات من قبل ملوك الأمم لابن بطوطة و إكرامه و إسناد مهام كبرى له مثل القضاء و السفارة . فالقدرة التي كان يتمتع بها ابن بطوطة في التواصل و الاندماج ، مكنته من أن يجد موطئ قدم عند الشعوب التي زارها ، رغم الصعاب و المشاكل التي اعترضته طيلة سفره ومخاطر الطرق و البحار التي ركب ، فقد تعرض مرارا للسلب و النهب و السرقة ، فرحلته التي كتب كانت قد سرقت ضمن متاعه ، و ربما كانت أغنى من حيث المعلومات من الرحلة التي أملاها في المغرب على ابن جزي .
لقد توفق ابن بطوطة و ألهم الصواب ، حين سجل كل ما وقعت عليه عينه أثناء رحلته وبذلك زودنا بمعلومات نفيسة عن جغرافية الأماكن التي حل بها ، سواء في شمال أفريقيا و أفريقيا السوداء و في شبه الجزيرة العربية و بلاد الرافدين وبلاد الشام ، و في الهند و سيريلانكا و جزر المالديف و الصين و تركيا و الأندلس . وعن عادات وتقاليد هذه الشعوب ، فوصفها بدقة ووصف نظام الغذاء عندهم و أنواع ألبستهم ، وطقوس الأعراس و الزواج ، و الرياضات الروحية مثل اليوغا ووصف حيواناتهم وأنواع الثمار والفواكه و ذكر أسماءها بلغة أقوامها ، و بذلك خلف لنا معجما غنيا في الأطعمة و الألبسة و الثمار و أنواع العمارة و البنيان.
لقد سافر بن بطوطة ليطلع على الحضارات الإنسانية ، و يقارن بينها، و لم يكن جوالا سلبيا بل كان فاعلا في الأحداث ، وخلد اسمه عند الشعوب التي زارها و تحدث عنها فهو يعد مرجعا أساسا في هذه الحضارات ، وبذلك كان من الرواد المغاربة الأوائل الذين حصلوا على لقب العالمية و ينطق اسمه في لغات عديدة ، و هو بذلك قد اسهم في حوار الحضارات مبكرا ، و إشاعة قيم التسامح والتعارف بين الأمم.