في إطار أنشطة المهرجان المغاربي للفيلم ، في نسخته السادسة من 4 إلى 8 أبريل 2017 ، احتضنت قاعة الندوات بكلية الطب والصيدلة بوجدة ، صباح الخميس سادس أبريل الجاري ، لقائين ثقافيين هامين نشطهما الناقد السينمائي والباحث السوسيولوجي فريد بوجيدة : الأول حول " السينما وأسئلة الفكر " تناول فيه المفكر محمد نور الدين أفاية (رئيس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للمهرجان) العلاقات القائمة والممكنة بين السينما كإبداع فني والفلسفة كممارسة فكرية ، والثاني حول " السينما والشعر " قارب فيه المتدخلان عبد الكريم قادري ويحيى بنعمارة علاقات الإتصال والإنفصال بين الشعر والسينما باعتبارهما فنين وأسلوبين للتعبير لكل منهما خصوصيته .
في اللقاء الأول ، الذي كان عبارة عن " ماستر كلاس " ، أمتع الناقد السينمائي والباحث الفلسفي الدكتور محمد نور الدين أفاية الحاضرين بعرض أولي حول العلاقة بين السينما والفكر ، لأن الوقت المخصص له لم يكن يسمح بالتعمق والتفصيل في طبيعة هذه العلاقة وما تثيره من إشكاليات وأسئلة ، وأشار إلى أن العديد من المفكرين تفاعلوا مع الظاهرة السينمائية بأشكال متعددة ومن زوايا تخصصية مختلفة (فلسفية ، سوسيولوجية ، سيكولوجية ، ...) ، كما أن بعض السينمائيين اشتغلوا بالفلسفة لأن السينما حقل يمكن من خلاله استدعاء كل القضايا التي اشتغلت عليها الفلسفة .
وفي جلسة المناقشة كانت إجاباته عن أسئلة المتدخلين دقيقة وشاملة وجد ممتعة ، وقد أبانت عن إلمامه الكبير بالسينما وتاريخها وأعمال مبدعيها الكبار ، كما أبانت عن اطلاعه الواسع على كتابات الفلاسفة الذين انشغلوا بالسينما كموضوع للتفكير وعلى أعمال المبدعين السينمائيين الكبار الذين تحضر في أفلامهم المضامين الفكرية والتساؤلات الفلسفية .
فالأستاذ نور الدين أفاية مؤهل أكثر من غيره للحديث عن علاقة السينما بالفلسفة لأنه ، من جهة ، باحث في الفلسفة وممارس للتفكير والبحث في بعض قضاياها وإشكالياتها ، وله ، من جهة ثانية ، معرفة بالسينما كفن وإبداع من خلال مشاهدة الأفلام ومناقشتها وتحليلها واتخادها موضوعا للتفكير والتأمل ، بالإضافة إلى الإحتكاك ببعض المبدعين السينمائيين المغاربة وغيرهم .
أما في اللقاء الثاني فقد تناول الناقد السينمائي الجزائري عبد الكريم قادري مسألة ضبابية وهلامية مصطلحات من قبيل " شاعرية السينما " و " سينما الشعر " وغيرها مؤكدا على ضرورة تحديد هذه المفاهيم بدقة حتى يتم تجاوز الغموض والقصور الملحوظين لدى مستعملي هذه المصطلحات . كما قسم السينما إلى صنفين : " سينما الشعر " أو السينما الفنية و " سينما النثر " أو السينما الاستهلاكية ، وأشار إلى التفاعل الحاصل بين السينما والشعر خصوصا عند مبدعين جمعوا بين كتابة الشعر وإخراج الأفلام (حالة بيير باولو بازوليني نموذجا) .
من جهته استعرض الشاعر والناقد الأدبي يحيى بنعمارة بعض الآراء المرتبطة بثنائية " السينما – الشعر " والمنفتحة على بعض الإشكاليات ، ولاحظ أن الخطاب النقدي السينمائي كان يركز بشكل كبير على الأبعاد السياسية والاجتماعية والإيديولوجية في مقاربته للأفلام ، وتناول السينما في علاقتها بالرواية والتشكيل قبل أن ينفتح على البعد الشعري والجمالي . ولم يفته التأكيد على أن العلاقة بين السينما والشعر هي في الآن ذاته علاقة اتصال وانفصال ، فأحدهما يوثر في الآخر أو يشكل مصدر إلهام له ولكل منهما خصوصيته وطريقته في التعبير ، ورغم نقط الاختلاف بينهما فأحدهما يكمل الآخر .