الروبيو، نديم العظماء
|
عرفتُ "الروبيو" منذ مدة ليست بالقصيرة وظَلَّت علاقتنا يشوبها الحذر والاحترام المتبادل، لكن مؤخرا أتيحت لي الفرصة لأجالسه باستمرار وأعرفه عن قرب. لا مهلا..لست أدري متى عرفته، أو ربما كُنت أعرفه منذ عرفت طنجة الكوسموبوليتية... لكن على مايبدو أن الذي أعلمه يقينا أنني منذ أن كانت لديَّ معرفة بوجود شخصية أدبية اسمها محمد شكري، علمتُ أن لديه صديقا إسمه "الروبيو". إذ حتى قبل أن أراه يجول في شوارع طنجة وحده أو بصحبة كلبه "Galom". عرفته شخصية روائية كتب عنها شكري أو غيره. ثم خَرجت الشخصية من بين صفحات الكتب والجرائد لتَستوي إنسانا سويا . نعم، هكذا كان الروبيو بالنسبة لي، شخصية غير واقعية لديها ارتباط بعالم الكتابة وخيال الكُتَّاب أكثر مما لديها ارتباط بالواقع المعيش. نعم تعارفنا أنا والروبيو منذ مدة وأصبحنا أصدقاء، لكني كنت أؤجل دائما الدخول لسقيفته الأسطورية التي جالسه فيها أعلام أدبية وفنية كمحمد شكري وإدريس الخوري ومحمد زفزاف وجون جوني و محمد خير الدين ومحمد برادة والعربي اليعقوبي ومحمد تيمد وعبد اللطيف بن يحيى وخالد مشبال وعمر سليم. ثم أصدقاء آخرين تعرفتُ عليهم عنده ك"العسكري" عبد الكريم، والمتصوف عمر العسري، مرافقه الذي لايترك سقيفته حاليا إلا لماما، وذلك بعد دخولي منزله مع صديقي محمد الأزرق، الذي أصرَّ على أن آتي إليه وأؤثث بدوري جلسات الخُلَّص من أصدقاء الروبيو. كان الموعد هو "المهرجان الوطني للفيلم بطنجة"، وبما أن سقيفة الروبيو تطل من عل على قاعة سينما "روكسي" مباشرة، فقد جالسته خلال هذه المدة أكثر من مرة، في انتظار بدء حصة أفلام السابعة مساء، أو بعد انتهائها. الروبيو والمهرجان الوطني للفيلم صنوان لايفترقان ، وطالما سيظل يُنَظَّمُ بسينما "روكسي" التي توجد فوقها مباشرة شقته ، سيبقى هذا الأخير أيقونة طنجة والمهرجان معا. ذات دورة من دوراته المُنصرمة، وأنا أسيِّر نقاش فيلم ل"فركوس" ناطق بالأمازيغية، تقوم فيه الفنانة تحيحيت بدور رئيسي، وكان الإثنان بجانبي على منصة فندق شالة، طلب الروبيو الكلمة وأصر على الحديث بتشلحيت، وحينما علم أنني سوسي مثله بعد ترجمتي لتدخله للعربية زاد تقاربنا أنا وإياه أكثر. الروبيو كما أعرفه متطرِّف الهوى، فإما أن يحبك ويقبلك ويفتح لك باب سقيفته وقلبه معا على مصراعيهما أو ينفر منك نهائيا، كنتَ من تكون، ويحلف بأغلظ الأيمان ألا تطأ رجلك باب برجه العاجي. وأنت في بيت الروبيو ستكتشف أسرار طنجة السفلية الخفية، تلك التي كانت وماتزال مجرد إشاعات ، لكنك عند الروبيو سوف تعرف الفرق بين الإشاعة والحقيقة..يتحدث الروبيو في هذا السياق عن المثلية الجنسية وكيف أنها شكَّلت وخلقت العديد من شبكات العلاقات، في طنجة التي كانت في الماضي، والتي قد لاتظهر كذلك لكنها بُنِيت على الاختلاف وظلت كذلك مع الوقت. بعد معرفته عن قرب يمكن لي الجزم وبدون مجازفة تُذكر أن الروبيو يدخل ضمن زمرة "المثقفين" الشفويين، إذ أن كمَّ المعلومات التي يختزنها ذهنه والناتجة بالأساس من مصادقته ومجالسته للعديد من المبدعين ولمدة طويلة جعلت منه خَزَّانا من المعلومات، ولو كان يكتب لفاق كثيرا ممن يكتبون هذه الأيام في قوة سرده لوقائع وأمور وأشياء تستحق الكتابة، وهي حتما ستضيع بغيابه للأسف إن لم يسارع شخص لكتابتها. من محكيات الروبيو في الجلسات التي جمعتني به وهو يتذكر الكاتب المتميز محمد خير الدين، أن هذا الأخير كان يصبح مبتذلا وبذيئا (قالها بالفرنسية vulgaire) باللغات الفرنسية والعربية والأمازيغية، حينما يشرب، رغم أنه يكون عكس ذلك وهو في حالته العادية. ومن مستملحاته هو الذي لايحب أن يقود زمام المكان غيره، أننا ونحن جلوس عنده سُمع دق بالباب، وهمَّ الأزرق بفتحه فقاطعه الروبيو قائلا " ماعمرك تفتح شي زوك ماشي ديالك".
|
*البورتريه الكاريكاتوري للفنان عبد الغني الدهدوه |
|
عبد الكريم واكريم (2016-03-26) |
Partager
|
تعليقات:
|
العربي الرودالي
/تمارة المغرب |
2016-06-05 |
صوفية التجربة التي لا تلقن الحيثيات بل مجازاتها الوجودية، فتنمذج العالم الخفي ليطفو إدهاشه...قليل من أمثال هؤلاء يتكررون ويربطهم خيط رفيع، لكن ينفردون بحكمتهم التي لا تبلى، مثل عبد الرحمان المجذوب وسيدي قدور العلمي...الدراية والكياسة وبعد النظر والغرابة...هم فعلا شخصيات روائية يجسدون إيحاءات إبداعية تنتظر استجلاءها..تحية لجمالية هذه الكتابة الفنية والشيقة والتي تكاد تضعنا أمام شريط وثائقي عنوانه "الروبيو نديم العظماء"، من توضيب الكاتب الإشراقي السي عبد الكريم واكريم
|
البريد
الإلكتروني : mr.roudali@yahoo.fr |
|
أضف
تعليقك :
|
|
الخانات * إجبارية |
|