تواصل حاليا منذ الثالث من شهر فبراير الجاري، خيول الفنان التشكيلي مصطفى رماني ركضها الفني، وذلك في معرض فني فردي، يقيمه الفنان برواق النادرة بالرباط، كخطوة إبداعية جديدة، تتوخى البحث عن متعة بصرية مشتهاة يقدمها للمتلقي أبهى التجليات.
خيول مصطفى رماني، التي جعلها تيمة رئيسة في لوحاته المعروضة، جعلت معرضه يتحول إلى ساحة عروض، يقدم فيها الرماني بحنكة الفنان المحترف، عروضا شيقة للغاية فيها تتبورد الخيول على اختلاف أشكالها وألوانها وصهواتها الطائعة، وتعيد إلى ذاكرة المتلقي مجد القبيلة، وخير البيدر والقصيدة، وسحر اللون حين تمتد بزهوها الأنيق تلك الريشة.
ويندرج هذا المعرض الفني، الذي في إطار تجربة فنية متجددة للرماني امتدت لسنوات طوال، قدم فيها الكثير من المعارض فردية وجماعية داخل وخارج المغرب، وذلك في أفق ترسيخ روح الفن التشكيلي، الذي يمجد في العمق، روح الهوية والحضارة والتاريخ المغربي المجيد، وذلك من خلال رمزية الفرس والحصان، الذي يظل رمزا للنخوة والشهامة والزهو المغربي العربي المجيد.
خيول رماني في رواق النادرة، تبوردت كثيرا، أثارت نقيع الوجدان في نفوس العاشقين، أسمعت بحوافرها من بهم صمم، منحت أجراسها المموسقة بشكل بديع للمتلقي رقة المحبة والنخوة والإنشاء...خيول رماني صهلت بشموخ، مشت الهوينى هنا وهناك، قدمت عروضا احتفالية غاية في السحر والروعة، منحت للجمهور في صمت وديع رقصات حسان، وصهيل، أعاد إلى المتلقي أيام زمان، وشهامة الفرسان، أيام الخيل والليل والبارود يعرفني والسيف والقرطاس والقلم، وسحر الوجدان.
كما قدم رماني بالمناسبة، لوحات ساحرة للغاية شكلت عوالم رائعة، للرؤيا الفنية التي تنبجس من بين أنامله بتقنية عالية، وكلها عوالم تجعل من الفن التشكيلي في حضرة هذا الفنان، تعبيرا قويا باللون يحيل إلى رقة الكلمة الموحية، حين تتجانس بين الريشة في أبهى رقصاتها الرائعات...ثمة سحر أشعار، تركب صهوات تلك الخيول التي جسدها الفنان بتلقائية عالية، ما يجعله احد الفنانين المجددين، والذي يجعل من رمزية الهوية بابا كبيرا للولوج إلى العالمية والانفتاح على تجارب كونية أخرى، بحثا عن ذلك الخيط الرفيع الذي يلم سحر الفنون التشكيلي العالمي بشكل عام.
لا أحد يجادل في أن الفنان التشكيلي مصطفى رماني في معرضه الجديد، الذي حج إليه جمهور غفير من عشاق الفنون التشكيلية، كان فارسا بامتياز، ركب صهوة أجود تلك الخيول، تبورد في أزهى الأزياء عبر احتفالية الفانتازيا، وذكرى مواسم الأضرحة والأعراس والأولياء، طاف بريشته العطرة هنا وهناك، منح للمتلقي تحايا فانطاستيكية خاصة، تبورد هناك وهناك، وركض بحصانه بعيدا، حيث التقى عرائس الأطلس محتشمة بلطفها، ومناديلها، أصغى لإيقاعات طفولية ممتعة، ودخل حارة المدنية القديمة فاتحا كبيرا.
الأمر هنا، يتعلق بأن مصطفى رماني إلى جانب احتفاله بتيمة الفرس والخيول في معرضه، فقد قدم بالمناسبة لوحات أخرى، كرمت في العمق المدينة المغربية العتيقة، والطفولة والمرأة المغربية والأمازيغية الأطلسية، في لحظات جمال لا توصف، ما يجعله فنان متعدد المواهب، يتبورد على صهوة خيوله، ويمشي بين الفنون كما يشاء لا كما يشاء الآخرون، دون أن يلبس عباءاتهم، انه فنان متفرد ومجدد، ما يؤهله ليكون من فناني المستقبل، والذي يقدم في أعماله أسمى ما تحبل به اللوحات من سحر ألوان، وقضايا خصبة ترسخ لروح الهوية والثقافة والحضارة والعادات والتقاليد والتراث، فضلا عن جعل اللوحة تتكلم لغات الوجد والوجدان، منفتحة على تعدد القراءات العاشقة ومنفتحة على باقي القيم الكونية والجمالية والشاعرية، لتكون أحلى وارق وأبهى، تصهل بشموخ هي الأخرى، كما تصهل تلك الخيول التي تجري ببياض نقائها كموج البحار والأحلام.