في سياق النقاش الذي عرفه المغرب خلال الشهور الأخيرة حول موضوع "الرأسمال غير المادي"، صدر حديثا عن وزارة الثقافة بالرباط، كتاب جديد للباحث المغربي محمد بهضوض تحت عنوان "التنمية الثقافية: الصناعات الثقافية والإبداعية في المغرب".
في تقديمه لهذا الكتاب، الذي يقع في 304 صفحة، قال الباحث الأنثربولوجي د مراد العلمي الريفي إن " إعداد دراسة عن أصول ومكونات الرأسمال الثقافي بالمغرب في هذه الظرفية بالذات، يكتسي أهمية حيوية لجملة من الأسباب نلخص أهمها فيما يلي: أولا: توجه الدولة بعد الخطاب الملكي لعيد العرش سنة 2014، إلى تشخيص أولي لمكامن رأسمالها غير المادي بهدف تثمينه والعمل على وضعه في صلب سياساتها العمومية.. وثانيا: تعثر هذا التشخيص الأولي في إيجاد الخيط الناظم الذي يجمع بين كل تلك الأصول المكونة للرأسمال غير المادي، بما يضمن صياغة رؤية استراتيجية تتجاوز الخطط المعمول بها دوليا نحو بلورة نموذج مغربي متميز وفعال.. وثالثا: الخلط الملحوظ لدى الفعاليات المشاركة في هذا التشخيص العام وخصوصا الهيئات المدنية، بين الرأسمال غير المادي للدولة والرأسمال غير المادي الثقافي.. ورابعا: غياب بسط واضح للموارد التنموية الحقيقية التي ترفع الرأسمال غير المادي إلى اقتصاد حقيقي تفوق حركيته، إنتاجيته وعائداته، مستوى الأصول المادية للاقتصاد".
"لهذه الأسباب وغيرها، يضيف الأستاذ مراد الريفي، جاءت هذه الدراسة في الآن المناسب، كإضافة نوعية تناولت جانبا مهما من هذا الرأسمال وهو الصناعات الثقافية والإبداعية بالمغرب..؛ وهو ما مكن من توفير مادة بالغة الأهمية توضح للمهتم والمتخصص معا فرصة ملامسة تشعب دروب الثقافة وارتباطها بكل مفاصل حياة المجتمع. وهو التشعب الذي ذكر به الكاتب عند بسطه لمبادئ إشكاليته والتي حصرها في تحقيق التنمية المندمجة ودعم الإبداع وحماية المبدعين وضمان حرية التعبير واحترام التنوع الثقافي والديموقراطية وحقوق الإنسان والتعاون الثقافي".
وفي مقدمة الكتاب، قال الباحث محمد بهضوض إنه لاشك في " أن المغرب يملك رصيدا تاريخيا وثقافيا غنيا ومتنوعا يتكون من عدد كبير من المجالات التي تدخل في خانات "التراث الثقافي" و"الصناعات الثقافية" و"الصناعات الإبداعية". بيد أن المعطيات التي قدمناها بشأن كل هذه المجالات، جعلتنا نخلص إلى نتيجة مفادها أنه إذا إن كان للمغرب فعلا رصيدا تاريخيا وثقافيا متميزا، فإن هذا الرصيد لم يستغل بما فيه الكفاية، على غرار الرأسمال أو الرصيد المادي، بما جعل بلادنا تحتل رتبا عالمية متدنية، إن على مستوى التنمية البشرية (الرتبة 130 عالميا)، أو على مستوى التجهيز (هناك نحو 600 خزانة، و553 دار للشباب، و122 قاعة للعرض الفني، و101 رواقا تشكيليا، و31 قاعة للسينما، و40 متحفا)، أو مجتمع المعرفة (احتلال المغرب للرتبة 110 في جودة التعليم، و129 في مجال الإبداع، و125 في البحث العلمي، و83 في براءات الاختراع) أو حماية التراث (حماية وترميم 400 موقع تاريخي من بين 16000 من المواقع الموجودة) أو الإنتاج الثقافي والفني (2000 كتاب في السنة، و15 فيلما، وبين 50 و60 مسرحية)، أو جودة الحياة (التي يحتل فيها المغرب الرتبة 99)".
هذا يفيد، في رأي الباحث، "أن استغلال الرأسمال الثقافي الذي يتوفر لبلادنا، لا يتوقف على إحصاء عناصر هذا الرأسمال والتنبيه إلى مدى مساهمته في الناتج الداخلي الخام فحسب (وهي المهمة التي أوكلت إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ومازال الرأي العام ينتظر نتائجها)، بقدر ما يتطلب إرادة سياسية فاعلة، تتجسد، ضمن ما تتجسد، في وضع استراتيجية وطنية للصناعات الثقافية والإبداعية متوافق بشأنها، تنبني على تحديد مفهوم هذه الصناعات، وأنواع القطاعات أو المجالات التي تتضمنها، وتوضيح مدى أهميتها على المستوى الثقافي (المعنى والقيم والرموز..) والاقتصادي (حلقة القيمة: الإنتاج والإبداع، والتوزيع والترويج، والاستهلاك...)، وإعداد برنامج عملي لتطويرها في بلادنا".
للتذكير فإن هذا الكتاب هو الرابع في سلسلة الكتب التي خصصها هذا الكاتب محمد بهضوض لدراسة لإشكالية الثقافة في بلادنا، والتي أصدرتها الوزارة سنة 2014 تحت العناوين التالية: "المغرب الثقافي: من أجل مشروع وطني للثقافة"، والمشهد الثقافي: الحقل الثقافي في المغرب"، و"الفكر الثقافي: أسئلة الثقافة في المغرب".