افتتح مساء أمس الاثنين برواق جهة الرباط سلا زمور زعير، معرض تشكيلي من توقيع الفنان عبد الغني الحراثي، ضم فيضا من اللوحات التشكيلية التي تسافر بالمتلقي والجمهور إلى ضفاف كلها تأمل وانبهار، وطرح أسئلة، بحثا عما يوجد وراء دلالات تلك اللوحات.
ويقدم الحراثي، الذي سبق وان نظم العديد من المعارض الفردية والجماعية، في معرضه الجديد، رؤية جديدة للفنون التشكيلية، التي تفصح عنها لوحاته، وهي متعة بصرية راقية ومزيدا، من الإشراقات الفنية والإبداعية التي تحيل العمل التشكيلي إلى نص إبداعي حالم له مقامات شعرية، وشطحات صوفية، ورقصات فنية، وإشكالات فلسفية، وأطياف ترفرف كالفراش، كالحمام.
ما يثير في معرض الحراثي الجديد الذي يقام برعاية الجهة وتحت إشراف جمعية زوايا التشكيلية وحتى الثالث من شهر أبريل المقبل، هو تنويع الفنان في عرض اللوحات، فتارة يرسم بالأبيض والأسود، وأخرى، يترك لريشته حرية اختيار ألوان الطيف وقوس قزح، من اجل رسم مواسم ربيع مزهوة بألوانها الزاهية والفسيفسائية، وهو الأمر الذي يروق العين ويرحها، بحثا عن لؤلؤ فني ومرجان.
في اللوحات التي تقدم بتقنية عالية وبالأبيض والأسود يغوص الفنان التشكيلي في بحر كله ملامح غرائبية، وأشكال رامزة إلى عالم وكوكب أخر، انه أفق مفتوح على بلاغة الغموض وسجع الإبهام، حيث الأشكال تطير، تنمو مثل براعم أشجار وازهار خرافية، اما في اللوحات المشبعة بألوان زاهية، فتكاد تقدم للمتلقي اشراقات تفيض حسا تجريديا وفانتازيا رائعا، وهو ما يجعل النص التشكيلي عند الحراثي نوعا من الهروب من الواقع، إلى حياة أخرى وعوالم قصية، بحثا من هدوء وسكينة اللاواقعي والخرافي، الذي يعجز المتأمل فيه عن كشف حقيقته.
من هذا المنطلق، يؤكد عبد الغني الحراثي، انه لا يريد أن يقيد الجمهور بموضوع واحد، وبفكرة واحدة، ولا يريد أيضا أن يوضح له حقيقة اللوحة، فالجمهور هو المطالب وحده بتفكيك شفرة اللوحة، والاستمتاع بها حسب ثقافته ورؤيته للأشياء والموجدات.
ويضيف أن معرضه الجديد، استمرار لتجربته السابقة، لكن بإضافات جديدة في الألوان وحركة الريشة، معتبرا أن الفن التشكيلي، بحث دائم عن الجميل والمغاير، وذلك بهدف منح المشهد التشكيلي المغربي نوعا من الاختلاف والدينامكية والخصوبة التي تؤثثها تجارب فنية متعددة.
ثمة إذن هي لوحات الحراثي، نصوص إبداعية تمزج بين الواقعي والخيالي، تصاحب روح القصيدة الشعرية، وحكمة الفلسفة في أوجها، إنها فراشات تطير، وسرب حمام يحلق بعيدا، إنها أيضا كائنات أسطورة تحيا في كوكب آخر، إنها كؤوس أرجوانية تفيض بسحر مفخم وتسيل برونق الاشتهاء والمفاجأة، ما يمنح لتجربته سحرا راقيا وعذوبة خالصة، وآفاق فنية تجريدية تنفتح على تعدد الدلالات والتأويلات والقراءات.