تنظم الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب (جواسم) ، يوم الأحد 15 مارس الجاري ابتداء من العاشرة صباحا بالقاعة الكبرى للمركب الثقافي سيدي بليوط بالدار البيضاء (مقابل محطة الساتيام) ، مجلسها الوطني الواحد والعشرون (21) بحضور ممثلي الأندية المنضوية تحت لوائها وكذا أعضاء المكتب المسير لها وثلة من الفنانين والمثقفين والسينفيليين والصحافيين وأطر حركة الأندية السينمائية القدماء وغيرهم .
وتكريما لروح الفنان الشعبي الأصيل محمد بسطاوي (1954 – 2014) أطلقت " جواسم " إسمه على هذه الدورة الجديدة لمجلسها الوطني ، اعترافا بعطاءاته المتنوعة في السينما والمسرح والتلفزيون وتقديرا لنضاله المستميت من أجل الرقي بفن التشخيص ببلادنا واعتزازا بمواقفه الداعمة للأندية والجمعيات السينمائية وتظاهراتها المختلفة وتذكرا لها .
فيما يلي إطلالة على أهم محطات وأعمال هذا الممثل المغربي الكبير :
المرحوم بسطاوي من مواليد سنة 1954 بقرية مريزيك غرب مدينة خريبكة ، تابع دراسته الإبتدائية والثانوية بعاصمة الفوسفاط المغربية قبل أن يغادرها أولا إلى منطقة الحسيمة ، حيث اشتغل من 1973 إلى 1976 بإحدى القواعد العسكرية التابعة للبحرية الملكية ، وثانيا إلى أوروبا (فرنسا وهولاندا) وخاصة إيطاليا التي استقر بها لمدة خمس سنوات ابتداء من سنة 1980 .
ظهر ميله إلى فن التشخيص منذ مرحلة الدراسة الإبتدائية ، وتعزز هذا الميل بانفتاحه على دور الشباب وفرقها المسرحية الهاوية (فرقة النصر للمسرح والموسيقى نموذجا) وهو يافع وشاب حيث شارك في العديد من المسرحيات ، ك " الكنز " و " أمبراطورية الشحاذين " ، وتعرف على أبجديات العمل المسرحي بخريبكة ، واستمر معه عشق فن التشخيص بالحسيمة وإيطاليا التي استفاد بها من ورشات تكوينية . وعندما عاد من بلاد المهجر قرر أن يدخل عالم الإحتراف المسرحي من بابه الواسع ليمارس عشقه لفن التشخيص ويحقق ذاته عبره .
قبل انضمامه إلى فرقة " مسرح اليوم " سنة 1987 ، التي كانت تشرف على إدارتها الممثلة القديرة ثريا جبران وزوجها الباحث والناقد والمخرج المسرحي الدكتور عبد الواحد عوزري ، اشتغل بسطاوي مع التلفزة المغربية بالرباط في برنامج الأطفال الصباحي " القناة الصغيرة " وذلك كممثل ومؤلف لنصوص مسرحية وأشعار ذات طبيعة تربوية خاصة بالأطفال . ومع فرقة ثريا جبران شارك وتألق ، على امتداد تسع سنوات من 1987 إلى 1995 ، في العديد من المسرحيات الناجحة من قبيل " حكايات بلا حدود " و " بوغابة " و" النمرود في هوليوود " و" نركبو لهبال " و" سويرتي مولانا " و" أيام العز " ... وهذه المشاركة مكنته من تفجير جزء كبير من طاقته في التشخيص وكرسته كممثل قوي الحضور على الخشبة وقادر على تقمص الأدوار المختلفة .
وبعد توقف تجربة " مسرح اليوم " الرائدة انخرط محمد بسطاوي رفقة المؤلف والمبدع يوسف فاضل والمخرج والممثل عبد العاطي لمباركي والسنوغرافي عبد المجيد الهواس والممثل محمد خيي وآخرين في تجربة أخرى بتأسيسهم لفرقة " مسرح الشمس " وذلك بحثا عن أفق إبداعي جديد . وأنتجت هذه الفرقة الجديدة من 1996 إلى 2000 مسرحيات ناجحة جابت بها مختلف مناطق البلاد ، كما كان الأمر مع فرقة ثريا جبران السالفة الذكر ، نذكر منها العناوين التالية : " خبز وحجر " و " فنطازيا " و " العابرا " و " والقايد بوحفنة " ... و " الباب مسدود " التي أنتجت سنة 2013 بعد توقف دام إثنى عشر سنة وشاركت فيها وجوه فنية أخرى كمحمد الشوبي وبنعيسى الجيراري وجليلة التلمسي ...
كان أول وقوف للراحل محمد بسطاوي أمام كاميرا السينما سنة 1997 في فيلمين الأول قصير بعنوان " خليط " من إخراج أمين النقراشي والثاني طويل بعنوان " كنوز الأطلس " من إخراج القيدوم محمد العبازي ، وبعد هذين الفيلمين سيشارك تباعا في الأفلام السينمائية التالية : " باي باي السويرتي " (1998) لداوود أولاد السيد و " عطش " (2000) لسعد الشرايبي و " طيف نزار " (2001) لكمال كمال و " وبعد " (2002) لمحمد إسماعيل و " الدار البيضاء يا الدار البيضاء " (2002) لفريدة بنليزيد و " جوهرة بنت الحبس " (2003) لسعد الشرايبي و " ألف شهر " (2003) لفوزي بن السعيدي و " طرفاية أو باب لبحر " (2004) لداوود أولاد السيد و " حين اهتزت الصورة " (2005) ليوسف عفيفي و " لاسورانس " (2006) لعبد الواحد المثنى و " في انتظار بازوليني " (2007) لداوود أولاد السيد و " طريق العيالات " (2007) لفريدة بورقية و " انتقال " (2008) للمهدي الخودي و" التعيين " (2009) لرضوان وخليل فاضل و " عند الفجر " (2009) للجيلالي فرحاتي و " أولاد البلاد " (2009) لمحمد إسماعيل و " ذاكرة الطين " (2010) لمجيد الرشيش و " تازة " (2010) للمخرج الكندي دانيال جيرفي و " أياد خشنة " (2011) لمحمد عسلي (حصل على جائزة أحسن ممثل عن دوره فيه بالمهرجان الوطني الثالث عشر للفيلم بطنجة سنة 2012) و " الطفل الشيخ " (2011) لحميد بناني و " غضب " (2012) لمحمد زين الدين و " فيها الملحة والسكر أو عمرها ما غد تموت " (2012) للأخوين سهيل وعماد نوري و" باريس بأي ثمن " (2013) للفرنسية ريم كيريسي (من أب تونسي وأم إيطالية) و" الصوت الخفي " (2013) لكمال كمال و" ماء ودم " (2014) لعبد الإله الجوهري و" جوق العميين " (2014) لمحمد مفتكر و" الوشاح الأحمر " (2014) لمحمد اليونسي و " أكادير إكسبريس " (2014) ليوسف فاضل ... هذا بالإضاقة إلى تشخيصه لأدوار متفاوتة القيمة في مجموعة من الأفلام الأجنبية المصورة جزئيا أو كليا بالمغرب .
يبدو من جردنا المفصل لفيلموغرافيا الراحل محمد بسطاوي أنه أصبح نجما للسينما المغربية في عشريتها الأخيرة ، رغم أنه لم يكن يؤمن رحمه الله بفكرة النجومية هته ، إذ ارتبط إسمه بمجموعة من الأفلام التي خلفت صدى طيبا في أوساط النقاد والمتتبعين وحظي بعضها بتقدير المهرجانات السينمائية داخل الوطن وخارجه ، ولعل هذه المكانة التي أصبح يحظى بها لدى صناع الأفلام هي التي جعلت الطلب على خدماته يتزايد من طرف المخرجين والمنتجين السينمائيين والتلفزيونيين ، ومما ساعد على ذلك الأعمال التلفزيونية التي ساهم حضوره فيها في نجاحها الكاسح بين فئات المجتمع المغربي المختلفة . نذكر من بين أعماله التلفزيونية الناجحة مسلسلات " وجع التراب " لشفيق السحيمي و " أولاد الناس " و " دواير الزمان " و " جنان الكرمة " و " المجدوب " لفريدة بورقية و " دار الغزلان " لإدريس الروخ ... ، و أفلام " حيط الرمل " للطيف لحلو و" الصالحة " و"الركراكية " و" سيد الغابة " و " الحياني " لكمال كمال و " الطيور على أشكالها تقع " لإدريس اشويكة و " نهاية أسبوع في العرائش " لداوود أولاد السيد و " الدم المغدور " لعادل الفاضلي و " آخر طلقة " لعبد الرحمان مولين و" خيال الذيب " لمحمد عهد بنسودة و " الكبش " لنوفل البراوي و" طلب عمل " لسعد الشرايبي و " اللجنة " ليوسف فاضل و " بوكفة " لعبد الله الزروالي ، وسلسلات " عائلة محترمة جدا " لكمال كمال و" جحا " لمحمد نصرات و " كنزة فالدوار " لهشام العسري ... ، وسيتكومات " ياك حنا جيران " و " كلنا جيران " ... وغيرها .
حظي محمد بسطاوي ، قيد حياته ، بالعديد من التكريمات من بينها تكريمه في الدورة السابعة لمهرجان السينما الإفريقية بخريبكة سنة 2000 ، وفي الدورة 16 لمهرجان تطوان الدولي لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط سنة 2010 ، وفي الدورة 11 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم سنة 2011 ...
وافته المنية صباح يوم الأربعاء 17 دجنبر 2014 بالرباط وهو في أوج عطائه الفني ، بعد مرض مفاجىء لم ينفع معه علاج ، مخلفا وراءه رصيدا غنيا ومحترما من الأعمال الفنية المغربية والعربية والدولية ستخلد ذكراه إلى الأبد كممثل قدير ومتمكن من أدواته التعبيرية .
وقد برهنت جنازته المهيبة وحجم الذين حضروها وواكبوها من منزله بباب سبتة بمدينة سلا العتيقة إلى مقبرة الشهداء ، حيث ووري جثمانه الثرى بعد صلاة عصر يوم الوفاة ، على شعبيته الواسعة واحترامه وتقديره كفنان وإنسان من طرف مختلف شرائح المجتمع المغربي وعلى رأسها زملاؤه وأصدقاؤه من الفنانين والمبدعين والإعلاميين وأطر الأندية السينمائية وغيرهم الذين حجوا بكثافة إلى المستشفى العسكري ، حيث فارق الحياة ، وإلى منزله لمواساة زوجته الممثلة سعاد النجار وأبنائه أسامة وهاشم وهيثم وحسام والصغيرة فاطمة الزهراء .
رحمة الله على بسطاوي وإنا لله وإنا إليه راجعون .